ولما تفرق أصحابه عنه دخل عبد الله على أمه أسماء وقال لها: «يا أماه قد خذلني الناس حتى ولدي وأهلي ولم يبق معي إلا اليسير ومن ليس عنده أكثر من صبر ساعة، والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا، فما رأيك؟»، فقالت: «أنت أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له فقد قتل عليه أصحابك ولا تمكن من رقبتك يتلعب بها غلمان بني أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت أهلكت نفسك ومن قتل معك، وإن قلت كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين، كم خلودك في الدنيا! القتل أحسن!»، فقال: «يا أماه أخاف إن قتلني أهل الشام أن يمثلوا بي ويصلبوني.»، قالت: «يا بني إن الشاة لا تتألم بالسلخ إذا ذبحت، فامض على بصيرتك واستعن بالله.» فقبّل رأسها، وسألها الدعاء له، وانصرف عازمًا على مواصلة القتال. ولم تمض أيام حتى هجم الجيش على مكة، فقاتل قتالاً شديدًا حتى قتل يوم الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين للهجرة.