الاسعار : درس ابن خلدون الأسعار من خلال مبدأ السببية ومنه انطلق في تفسير التفاوت بين العرض والطلب وتأثيراته على ارتفاع الأسعار أو انخفاضها، وذا مشابه لما شرحته النظرية السعرية الوضعية فيما بعد. كذلك فارتفاع الأسعار عامل رئيسي خلال استمرار العمران لأنّه يؤدي لحاجةٍ أكثر على البضائع وبالتالي ترتفع أسعارها دون نسيان ما تأتي به الآفات السماوية من احتكاراتٍ للتجارة. أي إنّ الأسعار ترتفع بشكلٍ تلقائيٍّ عند ازدياد الطلب عليها لكن العكس قد يحدث أيضاً فيكون المعروض أكبر من المطلوب ما يؤدي بالأسعار إلى الهبوط وتفسد الأرباح. لذلك يرى ابن خلدون أن على التاجر أن يُوازن بين كمية ما هو مطلوبٌ من بضائعَ عند المستهلكين وبين الكمية التي سيعرضها للبيع «التّاجر البصير بالتّجارة لا ينقل من السّلع إلّا ما تعمّ الحاجة إليه من الغنيّ والفقير والسّلطان والسّوقة إذ في ذلك نَفاق سلعته. وأمّا إذا اختصّ نقله بما يحتاج إليه البعض فقط، فقد يتعذّر نَفاق سلعته حينئذٍ بإعواز الشّراء من ذلك البعض لعارضٍ من العوارض فتكسد سوقه وتفسد أرباحه».
في حديثه عن العرض والطلب يُفرق ابن خلدون بين ثلاثة أنواع من البضائع وهي الضروريات، والحاجيات والكماليات فإذا ازداد عدد السكان تقل أسعار الضروريات لأن الناس تجتهد في تأمينها (وبالتالي فإن العرض لهذه السلع يبقى مرناً)، أمّا بالنسبة للكماليات فإن أسعارها تزداد مع ازدياد الطلب بسبب محدوديّة توافرها. وبالتالي فإن للعمران وعدد السكان الأثر الرئيس في الأسعار ومداها. وانخفاض أسعار الضروريات لا يُناقض قانون العرض والطلب فهذه البضائع تنخفض أسعارها بسبب حالات العرض الزائد الناتج عن زيادة عدد السكان. وهنا يوّضح ابن خلدون أن هذا هو الطبيعي لكن في الوضع غير الطبيعي فإن الآفات السماويّة المُتمثلة باحتكار البضائع من قبل التجار تؤدي لارتفاع أسعارها، إضافةً إلى ذلك قد يحدث ارتفاع الأسعار نتيجة زيادة نفقات الإنتاج فيعمد المُنتِج -لتعويض زيادة النفقات- لزيادة سعر السلعة عند بيعها للمستهلك