بُويع هارُون الرَّشيد خليفةً بعد الهادي، وكان عمره 21 عامًا، وذلك في سنة 170 هـ / 786 م، فورث بلادًا مُترامية الأطراف، فقد امتدَّ أرجاء حُكمه من بلاد ما وراء النَّهر والسِّند شرقًا حتى إفريقية غربًا، ومن اليمن جَنوبًا، حتى أرَّان وبلاد الكُرج شمالًا، فحكمها في البداية بالتعاون مع وزيرِه يحيى البرمكي، وأطلق للبرامكة يدهم لإصلاح شؤون البلاد، فقاموا بذلك على نحوٍ ممتاز خاصةً في العقد الأول من حُكمه. وفي المُقابل، واجه الرَّشيد تحدِّيَات وثوراتٍ انفصاليَّة عديدة ضده، ومنها خروج بعض العلويين عليه، مثل يحيى بن عبد الله في الدَّيلم، وظهور دولة الأدارسة في بلاد المغرب الأقصى، كما ظهرت ثورات خارجيَّة كثيرة مثل الصَّحصح، والحُصين، وكان أهمُّهم الوليد بن طريف الشَّيباني لقربه من حاضرة الخلافة. كما برزت فتنةٌ قبليَّة ظهرت في الشَّام، وكانت مصر تُعاني من ثورات واضطرابات في بعض الأحيان بسبب السياسات الضَّريبيَّة. تمكَّن الرَّشيد من إخماد معظم هذه الثَّورات والاضطرابات التي خرجت عليه في عهده، فمن التعامل معها عبر سياساتٍ حكيمة إلى توجيه حملاتٍ عسكريَّة صارمة.