7JEWMSJD2M

قد رغب عباس في أن يختلص من وزارة نوبار في تلك السنة ولكن نوبار كان مؤيداً من الاحتلال، فلم يفكر في الاستقالة، فأسرها عباس في نفسه مرة أخرى، وأخيراً توصل إلى تنفيذ أمنيته في إقصاء نوبار، بأن أعرب للورد كرومر عن رغبته في إعادة مصطفى فهمي باشا المشهور بولائه للاحتلال إلى رئاسة الوزارة، وكان الخديوي قد أخذ من ذلك الحين يجنح لمسألة الاحتلال ويختم عهد المقاومة والأزمات، فلقيت الفكرة ارتياحاً في نفس اللورد كرومر الذي كان لا يفتأ يترقب الفرص لعودة مصطفى فهمي إلى رئاسة الوزارة، لأن الإنجليز لا ينسون صنائعهم، فلما أحس نوبار بهذا الموقف قدم استقالته يوم 11 نوفمبر سنة 1895، والف مصطفى فهمي الوزارة الجديدة في اليوم التالي، واحتفظ ببقية الوزراء الذين كانوا مع نوبار، وأضاف إليهم محمد العباني باشا وزيراً للحربية، فصارت مؤلفة كما يأتي: مصطفى باشا للرئاسة والداخلية، حسين فخري باشا للأشغال والمعارف، بطرس غالي باشا للخارجية، أحمد مظلوم باشا للمالية، إبراهيم فؤاد باشا للحقانية، محمد العباني باشا للحربية والبحرية، وهي وزارة الاستسلام والولاء المطلق للإنجليز. وقد بقيت في الحكم حتى نوفمبر سنة 1908، أي أنها دامت ثلاثة عشر عاماً، كانت خضوعاً وتسليماً للاحتلال البريطاني.

وقع الجفاء بين الخديوي ونوبار باشا على إثر موقف الأخير من مسألة رجوع إسماعيل باشا الخديوي الأسبق إلى مصر، فقد ساءت حالته الصحية في أوائل سنة 1895 وأرسل إلى حفيده عباس حلمي لكي يأذن له بالعودة إلى مصر لمراعة صحته وشيخوخته، وكان عباس يميل إلى تحقيق هذه الرغبة، ولكن وزارة نوبار وجدت أن رجوع إسماعيل من منفاه غير مرغوب فيه من جانب الاحتلال، فرفضت الموافقة على عودته بحجة أنها تخلق لمصر عقبات من جانب الدول التي اشتركت في خلعه، فأسرها عباس في نفسه، وأخذ المرض يلح على إسماعيل حتى توفي يوم 2 مارس 1895.

في أصل المناخ السابق من ثوابت ومتغيرات كانت مسيرة الخديوي مع الإحتلال ، جاء هذا الشاب إلى السلطة وعمره 18 عاما بحساب عمره بالسنوات الهجرية الميلادية ، وكان بصباه أمل الشاب المصري. وحين حاول "الباب العالي" سلخ شبه جزيرة سيناء من مصر تصدت إنجلترا للعثمانيين – لمصالح إنجلترا الخاصة وليس لمصلحة الخديوي – وإضطر السلطان إلى التراجع في إبريل عام 1892م .

دأت علاقات "عباس الثاني" مع مصطفى كامل بداية وطنية خالصة إلى درجة إتفاقهما على إنشاء "الحزب الوطني السري" ، ودعا إليه "أحمد لطفي السيد" وكيل النيابة بمدينة بني سويف عندما سمع بخبر "الجمعية السرية" لتحرير مصر والتي شكلها "لطفي السيد وعبد العزيز فهمي" وأخذ الثلاثة "الخديوي ومصطفى كامل ولطفي السيد" أسماء حركية .. الخديو إتخذ إسم "الشيخ" ومصطفى كامل اسم " أبو الفداء" ولطفي السيد "أبو مسلم" وإنضم إلى هذه الحزب السري "محمد عثمان" والد "أمين عثمان" و"لبيب محرم" شقيق "عثمان محرم" وآخرون ، وكانوا يجتمعون سرا في أحد المساجد بكوبري القبة للتعمية والتمويه.

إذا كانت الثوابت لدى الخديوي عباس حلمي الثاني كانت تتمثل في الوفاء لأسرة محمد علي والدفاع عن أعمال جده "إسماعيل العظيم" ووالده "الطيب الكريم توفيق!" والتأييد والمساندة للشيخ "علي يوسف" ثم الكراهية والتنديد بأحمد عرابي والعرابيين ونضيف إليها. أنه حاول الإحتماء بالدولة العثمانية صاحبة السيادة الإسمية على مصر ، وعول على مساندة السطان العثماني في وقت كان المعين في حاجة إلى من يعينه! ، وحاول أيضا أن يطلب مساندة فرنسا التي لم تكن راضية بإنفراد بريطاينيا بمصر ولكن فرنسا هي التي رفعت يدها بعد الإتفاق الودي عام 1904 ، والذي إتفقت فيه مع بريطانيا على أن تنفرد فرنسا بمراكش ، وأن تنفرد بريطانيا بمصر. وقد صاحب تلك الثوابت وهذه الآمال مواقف متغير هي الأخطاء السياسية للخديوي عباس حلمي الثاني والتي أضعفت من مواقفه الوطنية في مواجهة الإحتلال ، وسوف نشير فيما يلي إلى بعض هذه الأخطاء.

About

عباس حلمي الثاني بن محمد توفيق بن إسماعيل (14 يوليو 1874 - 19 ديسمبر 1944)، خديوي مصر من 8 يناير 1892 إلى عزله في 19 ديسمبر 1914، وهو سابع من حكم مصر من أسرة محمد علي، وآخر خديوي لمصر والسودان، وأمه هي أمينة هانم إلهامي حفيدة السلطان العثماني عبد المجيد الأول.