7JEWMSJD2M

توفي أحمد بن طولون في 10 ذو القعدة 270 هـ الموافق 10 مايو 884، كان سبب موته أن بازمار الخادم استطاع أن يستولي على حكم طرطوس التابعة لسلطان ابن طولون، وقام بالقبض على نائب ابن طولون فيها، وعصى ابن طولون وأظهر له الخلاف، فجمع أحمد بن طولون العساكر وسار إليه، فلما وصل كاتبه وراسله يستميله، فلم يلتفت إلى رسالته، فسار إليه ابن طولون، ونازله وحاصره، فخرق بازمار نهر البلد على موقع عساكر ابن طولون، فكاد الناس يهلكون، فرحل أحمد مغيظًا حنفًا، وأرسل إلى بازمار: «إنني لم أرحل إلا خوفاً أن تنخرق حرمة هذا الثغر فيطمع فيه العدو»، فلما عاد إلى أنطاكية أكل لبن الجواميس، فأكثر منه، فأصابه منه هيضة،(1) وكان الأطباء يعالجونه، فلم ينجح الدواء، فتوفي. وخلفه ابنه خمارويه وأطاعه القادة، وعصى عليه نائب أبيه بدمشق. وقد أولى اهتمامًا بالجيش، وعني عناية خاصة بفرقة «المختارة»، ولذلك لقب بأبي الجيوش.

وجهت لابن طولون عدة انتقادات، منها استقلاله عن الخلافة العباسية، ومنها كثرة سفكه للدماء، فيقول عنه الذهبي: «لكنه جبار، سفاك للدماء.»، فيُروى أن من قتلهم ابن طولون أو ماتوا في سجنه فبلغوا ثمانية عشر ألفًا. فيصفه مصطفى صادق الرافعي في كتابه من وحي القلم بقوله: «كان له يد مع الملائكة ضارعة، ويد مع الشياطين ضاربة»، وتشتهر قصته مع بنان الحمال الذي ألقاه إلى الأسد، فيروي ابن قتيبة الدينوري: «ولما ذهب شيخك أبو الحسن بنان إلى ابن طولون يعظه، وينهاه عن هذه النكراء، طاش عقل الحاكم، فأمر من توه بإلقاء الشيخ إلى الأسد.» ويقول أبو علي الروذباري: «كان سبب دخولي مصر حكاية بنان الحمال، وذلك أنه أمر ابن طولون بالمعروف فأمر به أن يلقى بين يدي سبع، فجعل السبع يشمه ولا يضره، فلما أخرج من بين يدي السبع قيل له: ما الذي كان في قلبك حيث شمك؟ قال: كنت أتفكر في سؤر السباع ولعابها.»

أما عبد الله بن القاسم كاتب العباس بن أحمد بن طولون؛ فقال: بعث إلى أحمد بن طولون ذات مرة بعد أن مضى من الليل نصفه، فوافيته وأنا منه خائف مذعور، ودخل الحاجب بين يدي وأنا في أثره حتى أدخلني إلى بيت مظلم، فقال لي: سلّم على الأمير، فسلّمت، فقال لي ابن طولون من داخل البيت وهو في الظلام: لأي شيء يصلح هذا البيت؟ قـلت: لـلفـكر. قال: ولـم؟ قلت: لأنّه ليس فيه شيء يشغل الطرف بالنظر فيه. قال: أحسنت! امض إلى ابني العباس، فقل له: يقول لك الأمير اغد علي، وامنعه من أن يأكل شيئا من الطعام إلى أن يجيئني فيأكل معي. فقلت: السمع والطاعة. وانصرفت، وفعلت ما أمرني به، ومنعته من أن يأكل شيئا، وكان العباس قليل الصبر على الجوع، فرام أن يأكل شيئا يسيرا قبل ذهابه إلى أبيه، فـمنعته، فركب إليه، وجلس بين يديه، وأطال ابن طولون عمدا، حتى علم أن العباس قد اشتد جوعه وأحضرت مائدة ليس عليها إلّا البوارد من البقول المطبوخة، فانهمك العباس في أكلها؛ لشدة جوعه، حتى شبع من ذلك الطعام، وأبوه متوقف عن الانبساط في الأكل، فلّما علم بأنّه قد امتلأ من ذلك الطعام، أمرهم بنقل المائدة وأحضر كل لون طيّب من الدجاج والبط والجدي والخروف فانبسط أبوه في جميع ذلك فأكل، وأقبل يضع بين يدي ابنه منه، فلا يمكنه الأكل لشبعه، قال له أبوه: إنني أردت تأديبك في يومك هذا بما امتحنتك به، لا تلق بهمّتك على صغار الأمور بأن تسهل على نفسك تناول يسيرها فيمنعك ذلك من كبارها، ولا تشغل بما يقل قدره فلا يكون فيك فضل لما يعظم قدره

قد ورد في سيرة أحمد بن طولون لابن الدَّاية أنه ركب ذات يوم قاربه فاجتاز به شاطئ النيل فوجد شيخًا صيادًا عليه ثوب خلق لا يواريه، ومعه صبي في مثل حاله من العُرْي وقد رمى الشبكة في البحر. فرثى لهما أحمد بن طولون، وقال لنسيم الخادم: «يا نسيم، ادفع إلى هذا الصياد عشرين دينارًا». ثم رجع ابن طولون عن الجهة التي كان قصدها واجتاز موضع الصياد (في رحلة العودة) فوجده ملقى على الأرض وقد فارق الدنيا والصبي يبكي ويصيح، فظن ابن طولون أن شخصًا قتله وأخذ الدنانير منه، فوقف بنفسه عليه وسأل الصبي عن خبره فقال الصبي: «هذا الرجل ـ وأشار إلى نسيم الخادم ـ وضع في يد أبي شيئا ومضى، فلم يزل أبي يقلبه من يمينه إلى شماله ومن شماله إلى يمينه حتى سقط ميتًا». فقال ابن طولون لغلمانه: «فتشوا الشيخ»، ففتشوه فوجدوا الدنانير معه، وأراد ابن طولون أن يعطي الدنانير إلى الصبي فأبى، وقال: «أخاف أن تقتلني كما قتلت أبي». فقال أحمد بن طولون لمن معه: «الحق معه، فالغِنَى يحتاج إلى تدريج وإلا قَتَل صاحبَه».

اتسمت العلاقة بين الطولونيين والبيزنطيين بالعدائيَّة مُنذُ أن كان أحمد بن طولون أميرًا على الثُغور، فقد طمع البيزنطيّون باستعادة سيطرتهم على تلك المنطقة من الأناضول، وطرد المُسلمين منها، خُصوصًا بعد أن دبَّ الضعف في جسم الدولة العبَّاسيَّة، وتراجعت هيبة الخلافة وسيطر القادة العسكريّون على مقاليد الأُمور. وقد تمكَّن البيزنطيّون من السيطرة على بضعة حُصون وبلدات حُدوديَّة غير أنَّهم لم يتقدموا أكثر من ذلك.

حول

أبو العباس أحمد بن طولون (23 رمضان 220 هـ - 10 ذو القعدة 270 هـ / 20 سبتمبر 835م - 10 مايو 884م) هو أمير مصر ومؤسس الدولة الطولونية في مصر والشام من الفترة (254 هـ/868 - 270 هـ/884)، كان أحمد بن طولون والي الدولة العباسية على مصر، ثم استقل بمصر عن الخلافة العباسية