7JEWMSJD2M

وفاة المهدي
اختلفت الروايات بشكلٍ كبير حول أسباب وفاة المهدي، وقد نقل المُؤرخ ابن الأثِير رواية مفادها أن المهدي حينما انطلق من بغداد، توقَّف في منطقة تُدعى ماسبذان، وهي من العراق، فأكل طعامًا، ثم توجه للنوم، إلا أن من حوله، قد استيقظوا ببكائه، فأتوه مُسرعين، فقال لهُم بأنه رأى رجُلًا واقفًا على الباب، وقال له:
كأني بهذا القصر قد باد أهلهُ وأوحش منه ربعهُ ومنازله
وصار عميد القوم من بعد بهجةٍ وملكٍ إلى قبرٍ عليه جنادلُه
فلم يبق إلا ذكرُهُ وحديثُهُ تُنادي عليه معولاتٍ حلائلُه
فبقي بعد ذلك عشرة أيَّامٍ، ثم تُوفي. وقيل إنه تُوفي مسمُومًا من إحدى جواريه، فقد أرسلت بلبأ فيه سُم، وهو جالسٌ في البُستان، بهدف تسميم إحدى الجواري بداعي الغيرة، فدعا به المهدي وأكل منه، فقد خافت أن تقول لهُ بأنه مسموم، فمات من ساعته. وكان يوم وفاته، في الثَّاني والعشرين من مُحرَّم 169 هـ / الرَّابِع والعشرون من يوليو 785 م.

محاولة المهدي عزل الهادي لصالح الرَّشيد
كان الخليفة المهدي قد بايع لابنه الأمير هارُون الرَّشيد بعد أخيه مُوسى الهادي سابقًا ليخلفهُ في الحُكم، إلا أنّ الخيزُران كانت تُميل أكثر للرَّشيد، ولعلَّه وافق ما في نفس المهدي، فقد رأوا فيه من الذكاء والحكمة ورجاحة العقل، ما جعلهم يرغبون في عزل الهادي لصالح الرَّشيد، فبعث رسالة إلى الهادي يطلُب حضوره إلى العاصمة، بعد أن خرج سابقًا لمُحاربة حُكام طبرستان المُتمردين في سنة 167 هـ / 784 م، إلا أن الهادي لم يطع أمره، وعلم بطريقةٍ ما أنه لا يوجد سبب لاستدعائه كل هذه المسافة إلا إذا كان الأمر ينطوي على عزله لصالح الرَّشيد، فبعث المهدي إليه رسولًا، إلا أن الهادي ضربه وأهانه، وامتنع عن القدوم إلى بغداد، كونه أدرك بنوايا أبيه وأمه في خلعه، فغضب المهدي منه، وقرر السير على رأس جيشٍ كبير في مُحرَّم 169 هـ / أوائل أو مُنتصف يُوليو 785 م، مُتوجهًا إلى جُرجان لمُحاربة ابنه المُتمرد عليه، إلا أن وفاته خلال الطريق في ماسبذان حال دون ذلك.

عاد الأمير هارُون على رأس الجيش العبَّاسي المُنتصر، ومعهُ رسولٌ من الإمبراطُورة حاملًا الجزية من الذَّهب إلى العاصمة بغداد، في أبَّهةٍ عظيمة واستقبال الأهالي لجنودهم والمُتطوعين في يوم السَّبت، السَّابِع عشر من محَرَّم 166 هـ / الرَّابِع من سبتمبر 782 م، وفي ذلك، يقول الشَّاعر مروان بن أبي حفصة الأُمويُّ:
أطفت بقسطنطنِيَّة الرُّوم مسندًا
إليها القنا حتى اكتسى الذُّل سُورها
وما رمتها حتى أتتك مُلوكها
بجزيتها والحربُ تغلي قُدُورها
وفي هذا اليوم رفع الخليفة المهدي من مكانة هارُون، ورأى فيه أهليَّته للحكم مُستقبلًا، وقرر على إثر ذلك أخذ البيعة لهُ من بعد أخيه مُوسى الهادي، كما أطلق عليه لقب «الرَّشيد» لِما رأى منه بأسه، وذكاءه، ورُشده، وهو اللَّقب الذي عُرف به ولازمه من الآن فصاعدًا. كانت أيام ما بعد عودة الجيش قد شهدت رخصًا كبيرًا في المعيشة نتيجة الغنائم، فقد بلغ سعر بيع البرذون بدرهم، والدرع بأقل من درهم، و20 سيفًا بدرهمٍ واحد فقط. استمرَّت الهُدنة قرابة ثلاثة أعوام حتى نقضها الرُّوم في شهر رمضان سنة 168 هـ / أبريل 785 م ولم يجددوا الهدنة، فبعث نائبُ الجزيرة حملةً تأديبيَّة فقتلوا وأسروا وغنموا، وعادت الحُروب والغارَات بين الطرفين لسابق عهدها.

وصلت أنباء الهُجوم الإسلامي لمسامع الإمبراطُورة إيرين الأثينيَّة أرملة أليُون الرَّابع، وخشيت من عواقب زحف جيش المُسلمين نحو عاصمة الإمبراطوريَّة، فأرسلت الرُّسُل والسُّفراء فورًا طلبًا للصلح وإعطاء الفدية إلى الأمير هارُون، فقبل منها على شرط أن تُقيم لهُ الأدلَّاء والأسواق في طريقه لتأمين قوت الجيش، وأن تُوفي بالعهد والذمَّة، حيث أن الجيش قد دخل مدخلًا صعبًا وخشي الأمير عليهم، فأجابتهُ إلى ما سأل، ودفعت لهُ 70 ألف دينارٍ، وقيل بل 90 ألفًا، تُؤديها في الأوَّل من نيسان وحَزِيران، فقبل الأمير هارُون، وأقامت الأسواق في طريقه بناءً على طلبه، كما وجهت معه رسولًا إلى الخليفة المهدي بما بذلت، على أن تُؤدي ما تيسَّر من الذَّهب والفضَّة والعرض، وأطلقت سراح الأَسرى من المُسلمين الذين أُسروا في غارَاتٍ سابقة، وكانت الهدنة مدتها ثلاث سنين. وكانت هذه الحملة هي آخر حملةٍ عسكريَّة قادها العرب نحو القسطنطينيَّة، ثلاث حملاتٍ قام بها أوَّل خُلفاء بني أميَّة، معاوية بن أبي سُفيان (34 و48 و54 هـ / 665 و668 و674 م)، والرَّابعة في عهد سُليمان بن عبد الملك (98 هـ / 716 م)، والأخيرة في عهد مُحمَّد المهدي (165 هـ / 782 م).

الحملة الهارُونيَّة على أبواب القسطنطنيَّة
بعد نجاح حملته الأولى، وتوليته واليًا، وزواجه من ابنة عمه زُبيدة بنت جعفر، قرَّر الخليفة المهدي إرسال الأمير هارُون في حملةٍ جِهادية كبيرة نحو الثُّغور الرُّوميَّة، فانطلق هارُون يوم السَّبت، التَّاسع عشر من جُمادى الآخرة 165 هـ / السَّابع من فبراير 782 م، وذلك على رأس جيشٍ كبير وصل تعدادُه ما يزيد عن 95 ألفًا، وأرسل معهُ الرَّبيع الحاجب، ويزيد بن مزيد الشَّيبانِي، وأمدَّهُ بـ 193 ألف دينارٍ وغيره من الفضَّة والدراهم لنفقة الجيش.
توغَّل الأمير هارُون في بلاد الرُّوم، فبدأ بافتتاح حِصن ماجدة، حيث تبارز القائد يزيد الشَّيباني مع قائد الحصن ويُدعى نقيط، فتبارزا حتى سقط نقيطُ من إحدى الحركات، وبادرهُ الشَّيباني بضربةٍ أردته قتيلًا، فانهارت معنويات الحامية الرُّوميَّة في الحصن واستسلمت. ثم سار الشَّيباني على رأس كتائب لمُلاقاة الدُّمُستُق البيزنطي في نقمُودية، بينما أكمل الأمير هارُون وجيشُه الكبير زحفهُم في أرض الرُّوم، مُكبدًا لهم خسائر باهظة، فوصل عدد قتلى الرُّوم في المعارك نحوًا من 54 ألفًا، كما سَبَوْا ما يُقارب 5 آلاف، واستمر الجيشُ في مسيره وتوغُّلاته العميقة حتى بلغ خليج القسطنطينيَّة وهدَّد عاصمة الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة..............

حول

هو خامس خُلفاء بني العبَّاس، والخليفة الرَّابع والعشرُون في ترتيب الخُلفاء بعد النَّبيُّ مُحمَّد. حكم دولة الخلافة العبَّاسيَّة منذ يوم 15 ربيع الأوَّل 170 هـ / 14 سبتمبر 786 م حتى وفاته في 30 جمادى الأولى 193 هـ / 24 مارس 809 م.