العودة إلى بجاية:
*نزل ابن خلدون بجاية في منتصف 766هـ، ووصف استقبال أهلِ بجاية له: «فاحتفل السلطان بقدومي، وأركب للقائي، وتهافت أهل البلد عليَّ من كل أوبٍ يمسحون أعطافي، ويقبلون يدي وكان يوماً مشهوداً». وتوّلى ابن خلدون فور وصوله منصب الحجابة وكان السلطان عيّنَ أخاه الأصغر يحيى في منصب الوزير. أثناء فترة الحجابة تلك انكبّ ابن خلدون على التدريس في النهار في جامع القصبة.
*كانت الحجابة تقتضي الاستقلال بالدولة والوساطة بين السلطان وأهل ممّلكته، فتفرّد ابن خلدون بشؤون الدوّلة ومضى في التجوّال بين الناس والقبائل يٌعالج الفتن بينهم بحزمٍ ودهاء، وما لبثت الأحوال أن تبدّلت فنشب الخلاف بين سلطان بجاية وابن عمّه السلطان أبي العباس ملك قسنطينة، وكان أبو العباس يطمعُ ببُجاية فأخذ يُثير القبائل عليها، وقد قال ابن خلدون إن سلطان بجاية لم يُحسن مُعاملة أهلها وشدّد عليهم الخناق حتّى تخلوا عنه واعتزموا الخروج عليه، فلمّا وصل ملك قسنطينة بجيشه إلى بجايةٍ بعد أنّ حرّض أهلها قاتل الأمير محمداً وانتصر عليه. وبالرغم من اعتكاف ابن خلدون في القضر حينها إلاّ أنّه استجاب لنصائح الوجهاء فخرج ورّحب بالسلطان أبي العباس وسلّمه بجاية ما أرضى السلطان الجديد فأثبت اين خلدون في منصبه، لكن ابن خلدون استشعر الخوف فانصرف لإحدى القُرى القريبة، ثم فرّ إلى بسكرة بعد قرار أبي العباس بالقبضِ عليه فقبض السلطان على أخيه يحيى ببونة وفتش بيوت العائلة وصادر أموالها.