7JEWMSJD2M

حياته في دمشق :-
قضى ابن خلدون أربعة عشر عاماً بعيداً عن منصب القضاء، لكن السلطان ردّه إليه في منتصف رمضان سنة 788هـ 1398م، وبعد توليه المنصب بقليل توفي السطان وبدأت الفتن، فلمّا استقرت الأمور استأذن ابن خلدون للسفر لبيت المقدس فأُذن له وجال بها وعاد سنة 802هـ وعُزل من منصب القضاء في السنّة التالية. وأثناء إقامته في مصر وصلت أخبار تيمورلنك الذي دخل الشام واستولى على حلب بسفكٍ وتخريبٍ رهيبين سنة 803هـ 1400م، وبدأ يتحرك اتجاه دمشق. اهتزت مصر لهذه الأخبار فحشد الناصر فرج جيوشه لملاقاة تيمورلنك واصطحب قضاته الأربعة معه. انطلقت الحملة في ربيع الثاني 803هـ ووصلت في جمادى الأولى ونزل ابن خلدون مع عدّة فقهاء في المدرسة العادلية بينما اشتبك جند مصر تواً مع جيش تيمورلنك حيث ثبت الجيش المصري لتبدأ مفاوضات الصُلح بعدها.

انتشرت الخلافات في معسكر السلطان الناصر وعاد بعضهم إلى مصر، فلمّا تبين للسلطان أنّهم قد اعتزموا خلعه عاد لمصر، في الأثناء قرر ابن خلدون أن يتسلّح بالجرأة ويستأمن على نفسه عند تيمورلنك ويُفاوض على تسليم دمشق دون قتال، ويقول ابن خلدون واصفاً دخوله: «ودخلت عليه بخيمة جلوسه، متكئاً على مرفقه، وصحاف الطعام تمر بين يديه تشريها إلى عصب المغل، جلوساً أمام خيمته حلقاً حلقاً. فلما دخلت عليه، فانحنيت بالسلام وأوميت إيماءة الخضوع، فرفع رأسه، ومد يده إلي فقبلتها، وأشار بالجلوس فجلست حيث انتهيت، ثم استدعى من بطانته الفقيه عبد الجبار بن النعمان من فقهاء الحنفية بخوارزم فأقعده يترجم بيننا».

أقنع ابن خلدون وجهاء دمشق بحقن الدماء وتسليم المدينة ودخلوا على سلطان التتار تيمورلنك وقدموا له الطاعة، وبطلبِ من تيمورلنك أمضى ابن خلدون أياماً في كتابة رسالةٍ يصف بها أحوال المغرب فلمّا سلمها للسطان أمر بترجمتها للمغولية. كان المفترض بأن دمشق سُلمت بدون قتال، لكن المغول احتجوا على بقاء قلعتها صامدة فأطبقوا عليها الحصار حتّى استسلمت ودخلوها فأكثروا من السفكِ والتنكيل وكرروا ما فعلوه بحلب، غير أنّ ابن خلدون لم يقطع صلته بتيمورلنك والتحدث معه وأهداه نسخةً من القرآن الكريم، ولمّا عرف تيمورلنك بأن الكتاب هو القرآن وضعه على رأسه.

يؤكد ابن خلدون أنّه كان الوسيط والمفاوض، لكن عدداً من المؤرخين يوردون روايةً مخالفةً، إذ يقول المقريزي إن من فاوض تيمورلنك هو القاضي تقي الدين ابن مفلح الحنبلي ويؤيده آخرون مثل ابن اياس الذي يقول إنّهم اختاروا ابن مفلح لإجادته التركية. غير أن المقريزي يؤكد صلّة ابن خلدون بالسلطان ويؤكد أنّه أذن له بالعودة للقاهرة فغادر دمشق في رجب سنة 803هـ، واعترضه قطاع طرقٍ فسلبوه ماله إلاّ أنّه وصل القاهرة سالماً في السنة نفسها.