في عهد أبي بكر الصديق
كان عثمان من الصحابة وأهل الشورى الذين يؤخذ رأيهم في كبرى المسائل في خلافة أبي بكر، فقد كان عمر بن الخطاب للحزامة والشدائد، وعثمان بن عفان للرفق والأناة. حيث كان عمر وزيراً للخلافة في عهد الصديق، أما عثمان فكان أمينها العام. وكان رأيه مقدماً عند الصديق؛ فبعد أن قضى أبو بكر على حركة الردة، أراد أن يغزو الروم، فقام في الناس يستشيرهم، فقال الألباب ما عندهم، ثم استزادهم أبو بكر فقال: ما ترون؟ فقال عثمان: «إني أرى أنك ناصح لأهل هذا الدين، شفيق عليهم، فإذا رأيت رأيا لعامتهم صلاحا، فاعزم على إمضائه فإنك غير ظنين.» فقال طلحة والزبير وسعد وأبو عبيدة وسعيد بن زيد ومن حضر ذلك المجلس من المهاجرين والأنصار: «صدق عثمان، ما رأيت من رأي فأمْضِه». ولما أراد الصديق أن يبعث والياً إلى البحرين استشار أصحابه، فقال عثمان: «ابعث رجلاً قد بعثه رسول الله إليهم فقدم عليه بإسلامهم وطاعتهم، وقد عرفوه وعرفهم وعرف بلاده» وكان عثمان يقصد العلاء بن الحضرمي، فبعث الصديق العلاء إلى البحرين. ولما اشتد المرض بأبي بكر استشار الناس فيمن يحبون أن يقوم بالأمر من بعده، فأشاروا بعمر، وكان رأي عثمان في عمر: «اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله. فقال أبو بكر: يرحمك الله، والله لو تركته ما عدتك.»
وفي إحدى الفترات من خلافة أبي بكر الصديق حصل هنالك قحط وأزمة اقتصادية، عن ابن عباس قال: «قحط المطر على عهد أبي بكر الصديق، فاجتمع الناس إلى أبي بكر فقالوا: السماء لم تمطر، والأرض لم تنبت، والناس في شدة شديدة، فقال أبو بكر: انصرفوا واصبروا، فإنكم لا تمسون حتى يفرج الله الكريم عنكم، قال: فما لبثنا أن جاء أجراء عثمان من الشام، فجاءته مائة راحلة بُرًّا - أو قال طعاما - فاجتمع الناس إلى باب عثمان، فقرعوا عليه الباب، فخرج إليهم عثمان في ملأ من الناس، فقال: ما تشاءون؟ قالوا: الزمان قد قحط؛ السماء لا تمطر، والأرض لا تنبت، والناس في شدة شديدة، وقد بلغنا أن عندك طعاما، فبعنا حتى نوسع على فقراء المسلمين، فقال عثمان: حبًّا وكرامة ادخلوا فاشتروا، فدخل التجار، فإذا الطعام موضوع في دار عثمان، فقال: يا معشر التجار كم تربحونني على شرائي من الشام؟ قالوا: للعشرة اثنا عشر، قال عثمان: قد زادني، قالوا: للعشرة خمسة عشر، قال عثمان: قد زادني، قال التجار: يا أبا عمرو، ما بقي بالمدينة تجار غيرنا، فمن زادك؟ قال: زادني الله بكل درهم عشرة، أعندكم زيادة؟ قالوا: اللهم لا، قال: فإني أشهد الله أني قد جعلت هذا الطعام صدقة على فقراء المسلمين». قال ابن عباس: «فرأيت من ليلتي رسول الله في المنام وهو على برذون أبلق (الذي فيه سواد وبياض) عليه حُلَّة من نور، في رجليه نعلان من نور، وبيده قصبة من نور، وهو مستعجل، فقلت: يا رسول الله، قد اشتد شوقي إليك وإلى كلامك فأين تبادر؟ قال: «يا ابن عباس، إن عثمان قد تصدق بصدقة، وإن الله قد قبلها منه وزوجه عروسا في الجنة، وقد دعينا إلى عرسه»