7JEWMSJD2M

زهده وأدبه
مع كون الإمام البخاري ذا مال كثير فإنه كان متقشّفاً زاهداً في أمور الدنيا وكان قليل الأكل جداً، قال محمد بن أبي حاتم: «كان أبو عبد الله ربما يأتي عليه النهار، فلا يأكل فيه رقاقة، إنما كان يأكل أحيانا لوزتين أو ثلاثا. وكان يجتنب توابل القدور مثل الحمص وغيره» وكان من كثرة إنفاقه للمال في الصدقة وطلب العلم أنه قد تمر عليه أيام لا يجد ما يأكله، ومع ذلك لا يطلب من أحد شيئاً، فروى ابن ناصر الدين أنه نفدت نفقته مرّة فجعل يأكل من نبات الأرض ولا يخبر أحداً بذلك وبلغ من شدة زهده وحرصه أنه لم يمنعه حتى المرض من ذلك، فروى ابن عساكر بسنده قال: «مرض محمد بن إسماعيل البخاري فعرض ماؤه على الأطباء فقالوا لو أن هذا الماء ماء بعض أساقفة النصارى فإنهم لا يأتدمون، فصدقهم محمد بن إسماعيل وقال: لم ائتدم منذ أربعين سنة فسألوا عن علاجه فقالوا علاجه الإدام فامتنع عن ذلك حتى ألح عليه المشايخ ببخارى أهل العلم إلى أن أجابهم أن يأكل بقية عمره في كل يوم سكرة واحدة مع رغيف.» واتّصف الإمام البخاري بالآداب العالية والأخلاق الحميدة فمن ذلك ما رواه محمد بن منصور قال: «كنا في مجلس أبي عبد الله محمد بن إسماعيل، فرفع إنسان من لحيته قذاة، فطرحها على الأرض. قال: فرأيت محمد بن إسماعيل ينظر إليها وإلى الناس، فلما غفل الناس رأيته مد يده، فرفع القذاة من الأرض، فأدخلها في كمه. فلما خرج من المسجد رأيته أخرجها فطرحها على الأرض.» وكان قليل الكلام وكلّ شغله في العلم ولا يشتغل في أمور الناس قال هانئ بن النضر: «كنا عند محمد بن يوسف -يعني: الفريابي- بالشام وكنا نتنزه فعل الشباب في أكل الفرصاد ونحوه، وكان محمد بن إسماعيل معنا، وكان لا يزاحمنا في شيء مما نحن فيه، ويكب على العلم.» ومن أدبه أنه كان يتجنّب ما يؤذي غيره فكان لا يأكل الكراث والبصل وما يشبههما لئلا يتأذى الناس من الرائحة.