توجّه الإمام البخاري عائداً إلى بلدته بخارى بعد خروجه من نيسابور، فاستقبله الناس هناك بحفاوة وإكرام بالغين. قال أحمد بن منصور الشيرازي: «سمعت بعض أصحابنا يقول: لما قدم البخاري بخارى نصب له القباب على فرسخ من البلد، واستقبله عامة أهل البلد ونثر عليه الدنانير والدراهم والسكر الكثير.» فمكث مدّة يحدّث في مسجده، فسأله أمير بخارى خالد بن أحمد بن خالد أن يحضر إلى منزله ويقرأ كتبه على أولاده فامتنع البخاري من ذلك لئلا يحابي ناساً دون آخرين، فروى الخطيب البغدادي قال: «أن خالد بن أحمد الذهلي الأمير خليفة الطاهرية ببخارى سأل أن يحضر منزله فيقرأ «الجامع» و«التاريخ» على أولاده فامتنع أبو عبد الله عن الحضور عنده، فراسله أن يعقد مجلسا لأولاده لا يحضره غيرهم فامتنع عن ذلك أيضا وَقَالَ: لا يسعني أن أخص بالسماع قوما دون قوم» وفي رواية أخرى قال: «بعث الأمير خالد بن أحمد الذهلي والي بخارى إلى محمد ابن إسماعيل أن أحمل إلي كتاب "الجامع" و"التاريخ" وغيرهما لأسمع منك، فقال محمد بن إسماعيل لرسوله: أنا لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب الناس، فإن كانت لك إلى شيء منه حاجة فأحضرني في مسجدي أو في داري، فإن لم يعجبك هذا فأنت سلطان فامنعني من المجلس ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة إني لا أكتم العلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار".» فبقى في نفس الأمير من ذلك وكان هذا سبب الوحشة بينهما، فاستعان خالد بن أحمد بحريث بن أبي الورقاء، وغيره من أهل العلم ببخارى عليه، حتى تكلموا في مذهبه، واتفق بعد ذلك أن أرسل محمد بن يحيى الذهلي إلى خالد كتابّاً يؤلّب فيه الأمير على الإمام البخاري، فقرأ الأمير كتاب الذهلي على الناس يحرّضهم على مفارقة البخاري فأبى الناس ذلك، فأمره الأمير بعد ذلك بالخروج من بخارى، فخرج منها. قال أحمد بن منصور الشيرازي: «فكتب بعد ذلك محمد بن يحيى الذهلي إلى خالد بن أحمد أمير بخارى: إن هذا الرجل قد أظهر خلاف السنة. فقرأ كتابه على أهل بخارى، فقالوا: لا نفارقه، فأمره الأمير بالخروج من البلد، فخرج.»