7JEWMSJD2M

وكان كذلك من أحرص الناس على الابتعاد عن الشهوات، فقد قال عبد الله بن مسعود: «إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله بن عمر»، وقال جابر بن عبد الله: «ما منا أحد أدرك الدنيا إلا مالت به ومال بها إلا عبد الله بن عمر»، وقالت عائشة بنت أبي بكر: «ما رأيت أحدًا ألزم للأمر الأول من ابن عمر»، وكان ابن عمر يحضر مجالس عبيد بن عمير الليثي الواعظ القاص، فتهراق عيناه بالدمع.

كما كان ابن عمر يتتبع آثار النبي محمد ﷺ وأوامره وأحواله ويهتم بها، فقالت عائشة بنت أبي بكر: «ما كان أحد يتبع آثار النبي ﷺ في منازله، كما كان يتبعه ابن عمر»، وروى مولاه نافع أن ابن عمر كان يتبع آثار النبي محمد ﷺ في كل مكان صلى فيه، حتى إن النبي محمد ﷺ نزل تحت شجرة، فكان ابن عمر يتعاهد تلك الشجرة فيصب في أصلها الماء لكيلا تيبس. وروى نافع عن ابن عمر، قوله أن النبي محمد قال يومًا: «لو تركنا هذا الباب للنساء»، فذكر نافع أن ابن عمر لم يدخل من ذلك الباب حتى مات. فكان الذي يرى حرصه على تتبع آثار النبي محمد ﷺ، يظن أن به شيئًا من الجنون. وكان إذا قَدِمَ من سفر بدأ بزيارة قبر النبي محمد ﷺ وأبي بكر وأبيه عمر قبل أن يتوجه إلى منزله، ويقول: «السلام عليك يا رسول الله. السلام عليك يا أبا بكر. السلام عليك يا أبتاه».

قال نافع: «كان ابن عمر إذا قرأ: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ١٦﴾ [الحديد:16] بكى حتى يغلبه البكاء»، وحين سُئل نافع عما كان يصنع ابن عمر في منزله؟ قال: «لا تطيقونه الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما». وكان ابن عمر كثير الصدقة، فقد رُوي أنه أتاه بضع وعشرون ألفًا في مجلسه، فما قام حتى وزّعها، وروى نافع أن ابن عمر فرّق في مجلس ثلاثين ألفًا، ثم أتي عليه شهر ما أكل لحمًا. وأن الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان بعث إليه بمائة ألف، فما انقضى العام حتى نفدت جميعها. وكان ابن عمر يشتري الرقيق، ثم يعتقهم، وكان إذا رأى من رقيقه أمراً يُعجبه أعتقه، فعرف رقيقه ذلك منه، فكانوا يحسنون العمل أمامه، فيعتقهم. فعاتبه أصحابه قائلين: «والله يا أبا عبد الرحمن ما هم إلا يخدعونك». فيقول: «من خدعنا بالله انخدعنا له»، وقال ابنه سالم أن ابن عمر ما لعن خادمًا قط إلا واحدًا، فأعتقه. وقد ذكر مولاه نافع أن ابن عمر أعتق ألف إنسان أو يزيد. وقال طاووس بن كيسان: «ما رأيت مصليًا مثل ابن عمر أشد استقبالاً للقبلة بوجهه وكفيه وقدميه»، وكان حريصًا على أن يبدأ الناس بالسلام.

كان ابن عمر شديد الحذر والحرص في الفُتيا، فقد روى نافع أنه في موسم الحج كان ابن عمر وابن عباس يجلسان لإفتاء الناس، فكان ابن عباس يجيب ويفتي في كل ما سُئل عنه، وكان ابن عمر يرد أكثر مما يفتي. أما عن منهجه في الفتيا، فقد كان ابن عمر يستمد أحكامه من القرآن، فإن لم يجد رجع إلى السُنّة، فإن لم يجد فاجتهادات كبار الصحابة إن اتفقوا، وإلا فإنه كان يتخير من بينها ما يراه حقًا، ثم بعد ذلك كله يأخذ بقياس النظير. كما كان ابن عمر في فقهه شديد التأثر بفقه أبيه، وهو ما يستدل عليه من رواية زيد بن أسلم عن أبيه حين قال: «ما ناقة أضلت فصيلها في فلاة من الأرض بأطلب لأثره من ابن عمر لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما». إلا أنه رغم هذا الاتباع لمنهج أبيه، كان له استقلاليته عن هذا المنهج متى رأى الصواب في مخالفته الرأي.

فقهه
قال الزُهريّ: «لا نعدل برأي ابن عمر فإنه أقام بعد رسول الله ﷺ ستين سنة، فلم يخف عليه شيء من أمره ولا من أمر الصحابة»، وقال مالك بن أنس: «بلغ ابن عمر ستا وثمانين سنة، وافى في الإسلام ستين سنة تقدم عليه وفود الناس»، وقال أيضًا: «كان إمام الناس عندنا بعد زيد بن ثابت عبد الله بن عمر، مكث ستين سنة يفتي الناس»، وقد قال ابن حزم في كتابه «الإحكام في أصول الأحكام»: «المكثرون من الصحابة رضي الله عنهم فيما روي عنهم من الفتيا، عمر وابنه عبد الله، علي، عائشة، ابن مسعود، ابن عباس، زيد بن ثابت، فهم سبعة فقط يمكن أن يجمع من فتيا كل واحد منهم سفر ضخم».

حول

محدث وفقيه وصحابي من صغار الصحابة، وابن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وأحد المكثرين في الفتوى، وكذلك هو من المكثرين في رواية الحديث النبوي عن النبي محمد ﷺ.