7JEWMSJD2M

إستكشف المشاركات

استكشف المحتوى الجذاب ووجهات النظر المتنوعة على صفحة Discover الخاصة بنا. اكتشف أفكارًا جديدة وشارك في محادثات هادفة

لازم أحمد بن حنبل منذ أن بلغ السادسة عشرة من عمره سنة 179هـ إماماً من أئمة الحديث، وهو هُشَيم بن بشير بن أبي حازم الواسطي (المتوفى سنة 183هـ)، واستمر يلازمه نحو أربع سنوات، فلم يتركه حتى بلغ العشرين من عمره، وقد رُوي عن ابن حنبل خبرُ تلك الملازمة ومدتها، فقد قال: «كتبت عن هشيم سنة تسع وسبعين، ولزمناه إلى سنة ثمانين، وإحدى وثمانين، واثنتين وثمانين، وثلاث، ومات في سنة ثلاث وثمانين، كتبنا عنه كتاب الحج نحواً من ألف حديث، وبعض التفسير، وكتاب القضاء وكتباً صغاراً»، فسأله ابنه صالح بعد ذلك القول: «يكون ثلاثة آلاف؟»، قال: «أكثر».

قد كتب عمر بن عبد العزيز وهو والٍ على المدينة إلى الوليد بن عبد الملك يخبره عما وصل إليه حال العراق من الظلم والضيم والضيق بسبب ظلم الحجّاج وغشمه، مما جعل الحجّاج يحاول الانتقام من عمر، لاسيما وقد أصبح الحجاز ملاذاً للفارين من عسف الحجاج وظلمه، حيث كتب الحجّاج إلى الوليد: «إن من قبلي من مُرّاق أهل العراق وأهل الثقاف قد جلوا عن العراق، ولجأوا إلى المدينة ومكة، وإن ذلك وهن»، فكتب إليه يشير عليه بعثمان بن حبان، وخالد بن عبد الله القسري، وعزل عمر عبد العزيز.

طلب أحمد بن حنبل الحديث في فجر شبابه، وكان المحدثون في كل بقاع الأراضي الإسلامية، وكان لا بد للإمام أحمد أن يأخذ عن كل علماء الحديث في العراق والشام والحجاز وتهامة، ولعله أول محدث قد جمع الأحاديث في كل الأقاليم ودوَّنها، وإن مسنده لشاهد على ذلك، فهو قد جمع الحديث الحجازي والشامي والبصري والكوفي جمعاً متناسباً. وقد بدأ اتجاه ابن حنبل إلى الحديث من سنة 179هـ، واستمر مقيماً ببغداد يأخذ من شيوخ الحديث فيها ويكتب كل ما يسمع حتى سنة 186هـ، أي أنه استمر بطلب حديث البغداديين نحو سبع سنين أو أكثر، ثم ابتدأ في هذه السنة رحلته إلى البصرة، وفي العام التالي رحل إلى الحجاز، ثم توالت رحلاته بعد ذلك إلى البصرة والحجاز واليمن وتهامة وغيرها في طلب الحديث.

اختار أحمد بن حنبل في صدر حياته رجال الحديث ومسلكهم، فاتجه إليهم أول اتجاهه، ويظهر أنه قبل أن يتجه إلى المحدثين راد طريق الفقهاء الذين جمعوا بين الرأي والحديث، فقد رُوي أن أول تلقيه كان على القاضي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، ولكنه مال بعد ذلك إلى المحدثين الذين انصرفوا بجملتهم للحديث، فقد قال: «أول من كتبت عنه الحديث أبو يوسف»، ولكنه لم يدم في الأخذ عنه، فقد انصرف إلى المحدثين انصرافاً لم يقطعه عن الاطلاع على ما أنتجته عقول الفقهاء العراقيين من فتاوى وأقضية وتخريج، بل إنه قد اطلع عليها، ولكن همته لم تكن إليها.

كان بين يدي أحمد بن حنبل علمان من علوم الشريعة الإسلامية عليه أن يختار أحدهما، فهو إما أن يختار مسلك الفقهاء، وإما أن يختار أن يكون راوياً من رواة الحديث وحافظاً من حفاظه، فقد ابتدأت الطريقتان تتميزان في عصره، وابتدأ العلمان ينفصلان، ولقد كان في العراق المنزعان، فقد كان في بغداد فقه العراق، كما كان فيها المحدثون الحفاظ.

قام عمر بتكوين مجلس للشورى بالمدينة سمي بـ«مجلس فقهاء المدينة العشرة»، فعندما جاء الناس للسلام على أمير المدينة الجديد وصلّى بهم، دعا عشرة من فقهاء المدينة وهم: عروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأبو بكر بن سليمان بن أبي خيثمة، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر، وأخوه عبد الله بن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وخارجة بن زيد بن ثابت، فدخلوا عليه فجلسوا، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: «إني دعوتكم لأمر تؤجرون عليه، وتكونون فيه أعواناً على الحق، إني لا أريد أن أقطع أمراً إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحداً يتعدى، أو بلغكم عن عامل لي ظلامة، فأحرّج الله على من بلغه ذلك إلا أبلغني».

لم يتزوج أحمد بن حنبل إلا بعد أن بلغ الأربعين، وقيل أن ذلك كان بسبب اشتغاله بالعلم، أو لأن أمه كانت موجودة بجواره ترعى شؤونه، أو لأنه كان يكثر من الرحلات وتطول غيبته عن بلده، فلما أن بلغ الأربعين وأصبح أقرب إلى الاستقرار من ذي قبل فكر في الزواج، وقد قال ابن الجوزي في ذلك: «كان رضي الله عنه شديد الإقبال على العلم، سافر في طلبه السفر البعيد، ووفر على تحصيله الزمان الطويل، ولم يتشاغل بكسب ولا نكاح حتى بلغ منه ما أراد». وكانت أولى زوجاته هي "العباسة بنت الفضل"، وهي فتاة عربية من ربض بغداد أي من ضواحيها القريبة، وقد عاشت مع أحمد بن حنبل ثلاثين سنة، وأنجبت منه ولدهما صالحاً، وقد قال "المروذي" تلميذ أحمد بن حنبل في شأن العباسة: «سمعت أبا عبد الله يقول: أقامت معي أم صالح ثلاثين سنة فما اختلفتُ أنا وهي في كلمة»، ولما توفيت أم صالح تزوج أحمد زوجته الثانية "ريحانة"، وأنجبت منه ولداً واحداً هو عبد الله، فلما ماتت أم عبد الله اشترى جاريةً اسمها "حُسْن"، فأنجبت له "زينب" ثم توأمين هما "الحسن" و"الحسين"، فماتا بعد ولادتهما، ثم وَلدت "الحسن" و"محمداً"، ثم وَلدت بعد ذلك "سعيداً". وقد نبغ في الفقه من أولاده صالح وعبد الله، وأما "سعيد" فقد ولي قضاء الكوفة فيما بعد.

يقال بأن عبد الملك قد ولّى عمر بن عبد العزيز على «خناصره» ليتدرب على الأعمال القيادية في وقت مبكر، ويقال إن سليمان بن عبد الملك هو الذي ولاه عليها. وقد تأثر عمر بن عبد العزيز لموت عمه عبد الملك وحزن عليه حزناً عظيماً، وقد خاطب عمر ابن عمه مسلمة بن عبد الملك فقال له: «يا مسلمة، إني حضرت أباك لما دفن، فحملتني عيني عند قبره فرأيته قد أفضى إلى أمر من أمر الله راعني وهالني، فعاهدت الله ألا أعمل بمثل عمله إن وليت، وقد اجتهدت في ذلك».

كان لعمر بن عبد العزيز أثر كبير في نصح الخلفاء وتوجيه سياستهم بالرأي والمشورة، إذ يحتل عمر مكانة متميزة في البيت الأموي، فقد كان عمه عبد الملك يجله ويعجب بنباهته أثناء شبابه، مما جعله يقدمه على كثير من أبنائه ويزوجه من ابنته، ولكن لم يكن له مشاركات في عهد عبد الملك بسبب صغر سنه واشتغاله بطلب العلم في المدينة، ومع ذلك فقد أورد ابن الجوزي أنه كتب إلى عبد الملك كتاباً يذكّره فيه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه،

وكان ابن حنبل وهو صبي محل ثقة الذين يعرفونه من الرجال والنساء، وقد كان نُجبه واستقامته أثرين ملاحظين لكل أترابه وآبائهم، يتخذه الآباء قدوة لأبنائهم، حتى قال بعض الآباء: «إني أنفق على أولادي وأجيئهم بالمؤدبين لكي يتأدبوا فما أراهم يفلحون، وهذا أحمد بن حنبل غلام يتيم، انظروا كيف يخرج!»، وجعل يعجب.