7JEWMSJD2M

إستكشف المشاركات

استكشف المحتوى الجذاب ووجهات النظر المتنوعة على صفحة Discover الخاصة بنا. اكتشف أفكارًا جديدة وشارك في محادثات هادفة

كان ابن عمر شديد الحذر والحرص في الفُتيا، فقد روى نافع أنه في موسم الحج كان ابن عمر وابن عباس يجلسان لإفتاء الناس، فكان ابن عباس يجيب ويفتي في كل ما سُئل عنه، وكان ابن عمر يرد أكثر مما يفتي. أما عن منهجه في الفتيا، فقد كان ابن عمر يستمد أحكامه من القرآن، فإن لم يجد رجع إلى السُنّة، فإن لم يجد فاجتهادات كبار الصحابة إن اتفقوا، وإلا فإنه كان يتخير من بينها ما يراه حقًا، ثم بعد ذلك كله يأخذ بقياس النظير. كما كان ابن عمر في فقهه شديد التأثر بفقه أبيه، وهو ما يستدل عليه من رواية زيد بن أسلم عن أبيه حين قال: «ما ناقة أضلت فصيلها في فلاة من الأرض بأطلب لأثره من ابن عمر لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما». إلا أنه رغم هذا الاتباع لمنهج أبيه، كان له استقلاليته عن هذا المنهج متى رأى الصواب في مخالفته الرأي.

فقهه
قال الزُهريّ: «لا نعدل برأي ابن عمر فإنه أقام بعد رسول الله ﷺ ستين سنة، فلم يخف عليه شيء من أمره ولا من أمر الصحابة»، وقال مالك بن أنس: «بلغ ابن عمر ستا وثمانين سنة، وافى في الإسلام ستين سنة تقدم عليه وفود الناس»، وقال أيضًا: «كان إمام الناس عندنا بعد زيد بن ثابت عبد الله بن عمر، مكث ستين سنة يفتي الناس»، وقد قال ابن حزم في كتابه «الإحكام في أصول الأحكام»: «المكثرون من الصحابة رضي الله عنهم فيما روي عنهم من الفتيا، عمر وابنه عبد الله، علي، عائشة، ابن مسعود، ابن عباس، زيد بن ثابت، فهم سبعة فقط يمكن أن يجمع من فتيا كل واحد منهم سفر ضخم».

مكانته
روى سالم بن عبد الله عن أبيه قوله: «كان الرجل في حياة رسول الله ﷺ، إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله ﷺ، فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على رسول الله ﷺ، وكنت غلامًا عزبًا شابًا، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله ﷺ، فرأيت في المنام كأن ملكين أتياني، فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطيّ البئر، وإذا لها قرن كقرن البئر، فرأيت فيها ناسًا قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، فلقيني ملك فقال: لن ترع، فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على رسول الله ﷺ، فقال: نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل»، قال سالم: «فكان بعد لا ينام من الليل إلا القليل». وقال سعيد بن المسيب: «مات ابن عمر يوم مات وما في الأرض أحد أحب إلى أن ألقى الله بمثل عمله منه»، وقال أيضًا: «لو شهدت لأحد أنه من أهل الجنة لشهدت لابن عمر»، وقال: «كان ابن عمر يوم مات خير من بقي»، وقال ابن محيريز: «والله إن كنت لأعد بقاء بن عمر أمانا لأهل الأرض»، وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: «مات ابن عمر وهو في الفضل مثل أبيه». وحين سئل أبو سلمة بن عبد الرحمن عبد الرحمن بن أبي ليلى: «أعمر كان أفضل عندكم أم ابنه؟»، أجاب: «بل عمر»، ثم أردف قائلاً: «إن عمر كان في زمان له فيه نظراء، وإن ابن عمر بقي في زمان ليس له فيه نظير»، وقال كل من طاووس وميمون بن مهران عنه: «ما رأيت أورع من ابن عمر»، وقال محمد بن الحنفية: «كان ابن عمر خير هذه الأمة»،

أحاديثه: كان ابن عمر من المكثرين في الرواية عن النبي محمد ﷺ، ورغم ذلك، كان يتحرى الدقة في متن أحاديثه، فقد قال محمد الباقر: «كان ابن عمر إذا سمع من رسول الله ﷺ حديثًا لا يزيد ولا ينقص، ولم يكن أحد في ذلك مثله»، وقد أحصى له بقي بن مخلد في مسنده 2,630 حديثًا بالمكرر، واتفق البخاري ومسلم له على 168 حديثًا، وانفرد له البخاري بـ 81 حديث، ومسلم بـ 31 حديث، كما روى له الجماعة في كتبهم.

روى عن: النبي محمد وأبي بكر الصديق وأبيه عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وأبي ذر الغفاري ومعاذ بن جبل وعائشة بنت أبي بكر ورافع بن خديج وأبي هريرة وعلي بن أبي طالب وبلال بن رباح وصهيب بن سنان الرومي وعامر بن ربيعة وزيد بن ثابت وعمه زيد بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وعثمان بن طلحة وأسلم مولى عمر وأخته حفصة بنت عمر. وأبي لبابة الأنصاري وأبي سعيد الخدري.

أما صفته، فقد كان ابن عمر رجل ربعة، آدمًا، جسيمًا، أصلعًا. وقال سعيد بن المسيب أن عبد الله بن عمر كان أشبه ولد عمر بعمر، وأن سالم بن عبد الله، كان أشبه ولد عبد الله بعبد الله. وكان ابن عمر يحب التطيّب، فلا يذهب الجمعة أو العيد إلا وقد دهن وتطيّب. وكان لابن عمر خاتمًا نقشه «عبد الله بن عمر»، يجعله عند ابنه أبي عبيدة، فإذا أراد أن يختم أخذه، فختم به.

وفاته
كانت وفاة ابن عمر سنة 74 هـ، وقيل 73 هـ، بمكة وصلى عليه الحجاج بن يوسف الثقفي، ودفن بفخ في مقبرة المهاجرين نحو ذي طوى، وقيل دُفن بالمحصب، وقيل بسرف. وقد نعاه الذهبي، فقال: «أين مثل ابن عمر في دينه، وورعه وعلمه، وتألّهه وخوفه، من رجل تُعرض عليه الخلافة، فيأباها، والقضاء من مثل عثمان، فيرده، ونيابة الشام لعلي، فيهرب منه. فالله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب». توفي ابن عمر دون أن يوصي بوصية، وقد ترك ابن عمر من الولد أبا بكر وواقد وعبد الله وأبا عبيدة وعمر وحفصة وسودة (وهي التي زوّجها ابن عمر لعروة بن الزبير) وأمهم صفية بنت أبي عبيد بن مسعود الثقفية، وعبد الرحمن وأمه أم علقمة بنت علقمة بن ناقش المحاربية الفهرية، وسالم وعبيد الله وحمزة وزيداً وعائشة وأبا سلمة وقُلابة وبلال وأمهاتهم أمهات أولاد، وقيل إنّ أم زيد هي سهلة بنت مالك بن الشحاح من بني زيد بن جشم بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب.

ولما اجتمع الناس على عبد الملك بن مروان، كتب ابن عمر إليه يبايعه بكتاب جاء فيه: «أما بعد، فإني قد بايعت لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين بالسمع والطاعة على سُنّة الله وسُنّة رسوله فيما استطعت، وإن بنيّ قد أقروا بذلك». وحين تولى الحجاج الحجاز لعبد الملك، أنكر عليه ابن عمر تأخيره للصلاة، فقد روى شهر بن حوشب أن الحجاج خطب الناس وابن عمر في المسجد حتى أمسى، فناداه ابن عمر: «أيها الرجل الصلاة»، قالها ثلاثاً، ثم أنهض الناس، فنزل الحجاج فصلّى، ثم دعا به، فقال: «ما حملك على ما صنعت؟»، فقال ابن عمر: «إنما نجيء للصلاة، فإذا حَضَرَتِ الصلاة فصلِّ بالصلاة لوقتها، ثم بقبق بعد ذلك ما شئت من بقبقة». كما ردّ ابن عمر الحجاج وهو يخطب على المنبر حين قال بأن ابن الزبير حرّف كتاب الله، فقال: «كذبت كذبت كذبت. ما يستطيع ذلك ولا أنت معه»، فقال له الحجاج: «اسكُت، فإنك شيخ قد خَرِفتَ، وذهب عقلك. يُوشِكُ شيخ أن يُؤخَذَ، فتُضرب عُنقهُ، فيُجَرَّ قد انتفخت خصيتاه يطوف به صبيان أهل البقيع». يقول سعيد بن عمرو بن سعيد الأشدق الأموي أن الحجاج وَجِد في نفسه، وأمر بعض خاصته، فأخذ حربة مسمومة، وضرب بها رجل ابن عمر في موسم الحج، فمرض منها مرض موته، فأتاه الحجاج يعوده، فقال: «لو أعلم الذي أصابك، لضربت عُنقه»، فقال عبد الله: «أنت الذي أصبتني». قال: «كيف؟»، قال ابن عمر: «يوم أدخلت حرم الله السلاح». فلما خرج الحجاج، قال ابن عمر: «ما آسى من الدنيا إلا على ثلاث: ظمأ الهواجر، ومُكابدة الليل، وألا أكون قاتلت هذه الفئة الباغية التي حلت بنا».

ولما بويع يزيد بن معاوية وبلغه الخبر، قال: «إن كان خيرًا رضينا، وإن كان بلاءً صبرنا». وبعد وفاة يزيد وتصدّر عبد الله بن الزبير للخلافة، لم يوافقه ابن عمر على دعواه، وكان يرى أنه بغى على بني أمية، ونكث عهدهم، وقد حاول مروان بن الحكم أن يدفعه للمطالبة بالخلافة، فقال له: «هلم يدك نبايعك، فإنك سيد العرب وابن سيدها»، فقال ابن عمر: «فكيف أصنع بأهل المشرق؟»، قال مروان: «نضربهم حتى يبايعوا»، فقال ابن عمر: «والله ما أحب أنها دانت لي سبعين سنة، وأنه قتل في سيفي رجل واحد»، فقال مروان:
إني أرى فتنة تغلي مراجلها والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا

وقد استدام ابن عمر على سياسة الحياد تلك، فكان لا يأتي أمير على المدينة وقت الفتن إلا وصلّى خلفه، وأدّى إليه زكاة ماله، سوى الحجاج بن يوسف الثقفي الذي ترك ابن عمر الصلاة خلفه لما رآه يؤخر الصلاة. ولما استقر الأمر لمعاوية، دسّ عمرو بن العاص ليعلم ما في نفس ابن عمر من أمر الخلافة، فقال عمرو: «يا أبا عبد الرحمن ما يمنعك أن تخرج فنبايعك، وأنت صاحب رسول الله ﷺ وابن أمير المؤمنين، وأنت أحق الناس بهذا الأمر؟»، فقال ابن عمر: «لو لم يبق إلا ثلاثة أعلاج بهُجر، لم يكن لي فيها حاجة». فعلم أن لا مطمع له في الخلافة، فقال عمرو: «هل لك أن تبايع لمن قد كاد الناس أن يجتمعوا عليه، ويُكتب لك من الأرضين ومن الأموال ما لا تحتاج أنت ولا ولدك إلى ما بعده؟»، فغضب ابن عمر، وقال: «أُفٍّ لك. اخرج من عندي. ثم لا تدخل عليّ. ويحك! إن ديني ليس بديناركم ولا درهمكم وإني أرجو أن أخرج من الدنيا ويدي بيضاء نقية». وقد ذكر الزُهري أن معاوية تعرّض لابن عمر يومًا في خطبة، فقال: «ومن كان أحق بهذا الأمر مني؟»، فتهيّأ ابن عمر للرد بقوله: «أحق به من ضربك وأباك على الكفر». إلا أنه تراجع خشية أن يُظن به حرصه على الخلافة. كما ذكر نافع مولى ابن عمر أن معاوية قدم إلى المدينة المنورة يومًا، وحلف على منبر المسجد النبوي ليقتلنّ ابن عمر، فتجمّع له الناس، فتراجع.