7JEWMSJD2M

إستكشف المشاركات

استكشف المحتوى الجذاب ووجهات النظر المتنوعة على صفحة Discover الخاصة بنا. اكتشف أفكارًا جديدة وشارك في محادثات هادفة

الولاية والولايات
حينما تولى عثمان الخلافة في بداية سنة 24 هـ، أقر الولاة الذين قد تم تعيينهم من قِبل عمر بن الخطاب في ولاياتهم عاماً كاملاً، بعد ذلك أبقى البعض وعزل آخرين، وعمل على التعيين في هذه الأمصار حسب الحاجة وذلك بعد الأخذ بمشورة الصحابة. في عهده قام بضم بعض الولايات إلى بعضها لما يراه في مصلحة المسلمين، فقد ضم البحرين إلى البصرة، كما ضم بعض ولايات الشام إلى بعضها الآخر نتيجة لوفاة بعض الولاة أو طلب البعض منهم الإعفاء من العمل. وقد كان دائم النصح لولاته بالعدل والرحمة بين الناس، كما أنه حدد لهم معالم السياسة التي يجب أن يعملوا بها، من إعطاء الحقوق للمسلمين ومطالبتهم بما عليهم من واجبات وإعطاء أهل الذمة حقوقهم ومطالبتهم بما عليهم من واجبات، وبالوفاء حتى مع الأعداء، وأن لا يكون همهم جباية المال. كان يكتب إلى عماله ببعض التعليمات في الأمور المستجدة التي تتعلق بإدارتهم للولايات، إضافة إلى كتبه للعامة والتي كان يصدر فيها تعليمات محددة يلتزم بها الجميع، ومن ذلك إلزامه الناس في الولايات بالمصاحف التي كتبت في المدينة على ملأ من الصحابة. كان حريصاً على أن يتنافس الأمراء فيما بينهم في الجهاد وفتح بلدان جديدة. كان يشترط أحياناً بعض الشروط على الولاة ليضمن أن تصرفهم في صالح المسلمين.

وقد كان من الولاة الذين تم تعييهم على ولايات الدولة الإسلامية:

توليه الخلافه:- الشؤون الماليه :-
لما تولى عثمان الخلافة لم يغير من سياسة عمر المالية، وإن كان قد سمح للمسلمين باقتناء الثروات وتشييد القصور وامتلاك المساحات الكبيرة من الأراضي، فقد كان عهده عهد رخاء على المسلمين. كما أنه وجه كتاباً إلى الولاة وكتابا آخر إلى عمال الخراج، وأذاع كتاباً على العامة، وكانت عناصر السياسة المالية العامة التي أعلنها الخليفة قد قامت على الأسس العامة التالية:

تطبيق سياسة مالية عامة إسلامية.
عدم إخلال الجباية بالرعاية.
أخذ ما على المسلمين بالحق لبيت مال المسلمين.
إعطاء المسلمين ما لهم من بيت مال المسلمين.
أخذ ما على أهل الذمة لبيت مال المسلمين بالحق، وإعطاؤهم ما لهم، وعدم ظلمهم.
تخلق عمال الخراج بالأمانة والوفاء.
تفادي أية انحرافات مالية يسفر عنها تكامل النعم لدى العامة.

في عهد عمر بن الخطاب:
كان عثمان ذا مكانة عند عمر، فإذا أراد الناس أن يسألوا عمر في مسألة طلبوا الأمر من عثمان أو عبد الرحمن بن عوف، وإذا لم يقدر هذان على الأمر طلبوا ذلك من العباس. لقد كانت مكانة عثمان في خلافة عمر بن الخطاب كمكانة الوزير من الخليفة، فقد جاء في بعض الروايات بأنه هو الذي أشار على عمر بفكرة الديوان وكتابة التاريخ، وكان ممن أيدوا رأي عمر في عدم تقسيم أرض الفتوح على الفاتحين وإبقائها فيئًا للمسلمين وللذرية من بعدهم.

لما اتسعت الفتوحات وكثرت الأموال جمع عمر ناسا من أصحاب رسول الله ليستشيرهم في هذا المال، فقال عثمان: «أرى مالا كثيراً يسع الناس، وإن لم يحصوا حتى يعرف من أخذ منهم ممن لم يأخذ خشيت أن ينتشر الأمر، فعمل عمر برأي عثمان، وتم تدوين الدواوين.»

في كتابة التاريخ فقد ذكرت بعض الروايات أن الذي أشار على عمر بجعل السنة الهجرية تبدأ بالمحرم هو عثمان، وذلك أنه لما تم الاتفاق على جعل مبدأ التاريخ الإسلامي من هجرة النبي، اختلفوا في أي الأشهر يجعل بداية للسنة، فقال عثمان: «أرخوا من المحرم أول السنة، وهو شهر حرام، وأول الشهور في العدة، وهو منصرف الناس من الحج» فرضي عمر ومن شهده من أصحابه رأي عثمان واستقر عليه الأمر، وأصبح مبدأ تاريخ الإسلام.

لما استخلف عمر بن الخطاب سنة 13 هـ، بعث تلك السنة على الحج عبد الرحمن بن عوف، فحج بالناس، وحج مع عمر أيضا آخر حجة حجها عمر سنة 23 هـ، وأذن عمر تلك السنة لأزواج النبي في الحج، فحُملن في الهوادج، وبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، فكان عثمان يسير على راحلته أمامهن فلا يدع أحدا يدنو منهن، وينزلن مع عمر كل منزل، فكان عثمان وعبد الرحمن ينزلان بهن في الشعاب، وينزلان هما في أذل الشعب، فلا يتركان أحدا يمر عليهن.

في عهد أبي بكر الصديق
كان عثمان من الصحابة وأهل الشورى الذين يؤخذ رأيهم في كبرى المسائل في خلافة أبي بكر، فقد كان عمر بن الخطاب للحزامة والشدائد، وعثمان بن عفان للرفق والأناة. حيث كان عمر وزيراً للخلافة في عهد الصديق، أما عثمان فكان أمينها العام. وكان رأيه مقدماً عند الصديق؛ فبعد أن قضى أبو بكر على حركة الردة، أراد أن يغزو الروم، فقام في الناس يستشيرهم، فقال الألباب ما عندهم، ثم استزادهم أبو بكر فقال: ما ترون؟ فقال عثمان: «إني أرى أنك ناصح لأهل هذا الدين، شفيق عليهم، فإذا رأيت رأيا لعامتهم صلاحا، فاعزم على إمضائه فإنك غير ظنين.» فقال طلحة والزبير وسعد وأبو عبيدة وسعيد بن زيد ومن حضر ذلك المجلس من المهاجرين والأنصار: «صدق عثمان، ما رأيت من رأي فأمْضِه». ولما أراد الصديق أن يبعث والياً إلى البحرين استشار أصحابه، فقال عثمان: «ابعث رجلاً قد بعثه رسول الله إليهم فقدم عليه بإسلامهم وطاعتهم، وقد عرفوه وعرفهم وعرف بلاده» وكان عثمان يقصد العلاء بن الحضرمي، فبعث الصديق العلاء إلى البحرين. ولما اشتد المرض بأبي بكر استشار الناس فيمن يحبون أن يقوم بالأمر من بعده، فأشاروا بعمر، وكان رأي عثمان في عمر: «اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله. فقال أبو بكر: يرحمك الله، والله لو تركته ما عدتك.»

وفي إحدى الفترات من خلافة أبي بكر الصديق حصل هنالك قحط وأزمة اقتصادية، عن ابن عباس قال: «قحط المطر على عهد أبي بكر الصديق، فاجتمع الناس إلى أبي بكر فقالوا: السماء لم تمطر، والأرض لم تنبت، والناس في شدة شديدة، فقال أبو بكر: انصرفوا واصبروا، فإنكم لا تمسون حتى يفرج الله الكريم عنكم، قال: فما لبثنا أن جاء أجراء عثمان من الشام، فجاءته مائة راحلة بُرًّا - أو قال طعاما - فاجتمع الناس إلى باب عثمان، فقرعوا عليه الباب، فخرج إليهم عثمان في ملأ من الناس، فقال: ما تشاءون؟ قالوا: الزمان قد قحط؛ السماء لا تمطر، والأرض لا تنبت، والناس في شدة شديدة، وقد بلغنا أن عندك طعاما، فبعنا حتى نوسع على فقراء المسلمين، فقال عثمان: حبًّا وكرامة ادخلوا فاشتروا، فدخل التجار، فإذا الطعام موضوع في دار عثمان، فقال: يا معشر التجار كم تربحونني على شرائي من الشام؟ قالوا: للعشرة اثنا عشر، قال عثمان: قد زادني، قالوا: للعشرة خمسة عشر، قال عثمان: قد زادني، قال التجار: يا أبا عمرو، ما بقي بالمدينة تجار غيرنا، فمن زادك؟ قال: زادني الله بكل درهم عشرة، أعندكم زيادة؟ قالوا: اللهم لا، قال: فإني أشهد الله أني قد جعلت هذا الطعام صدقة على فقراء المسلمين». قال ابن عباس: «فرأيت من ليلتي رسول الله في المنام وهو على برذون أبلق (الذي فيه سواد وبياض) عليه حُلَّة من نور، في رجليه نعلان من نور، وبيده قصبة من نور، وهو مستعجل، فقلت: يا رسول الله، قد اشتد شوقي إليك وإلى كلامك فأين تبادر؟ قال: «يا ابن عباس، إن عثمان قد تصدق بصدقة، وإن الله قد قبلها منه وزوجه عروسا في الجنة، وقد دعينا إلى عرسه»

توسعه المسجد النبوي :-
بعد أن بنى رسول الله مسجده في المدينة، صار المسلمون يجتمعون فيه ليصلوا الصلوات الخمس، ويحضروا خطب النبي، ويتعلموا في المسجد أمور دينهم، ضاق المسجد بالناس، فرغب النبي من بعض الصحابة أن يشتري بقعة بجانب المسجد لكي تزاد في المسجد حتى يتسع لأهله، فقال: «من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة؟» فاشتراها عثمان بن عفان من ماله بخمسة وعشرين ألف درهم، أو بعشرين ألفا، ثم أضيفت للمسجد، ووسع على المسلمين.

وروى يحيى عن المطلب بن عبد اللَّه بن حنطب قال: «لما ولي عثمان بن عفان سنة أربع وعشرين، كلَّمه الناس أن يزيد في مسجدهم، وشكوا إليه ضيقه يوم الجمعة، حتى إنهم ليصلون في الرحاب. فشاور فيه عثمان أهل الرأي من أصحاب رسول اللَّه، فأجمعوا على أن يهدمه ويزيد فيه، فصلَّى الظهر بالناس، ثم صعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إني أردت أن أهدم مسجد رسول اللَّه وأزيد فيه وأشهد أني سمعت رسول اللَّه يقول: «من بنى مسجدًا بنى اللَّه له بيتًا في الجنة». وقد كان لي فيه سلف، وإمام سبقني وتقدمني عمر بن الخطاب، كان قد زاد فيه وبناه، وقد شاورت أهل الرأي من أصحاب رسول اللَّه، فأجمعوا على هدمه وبنائه وتوسيعه، فحسن الناس يومئذ ذلك ودعوا له، فأصبح، فدعا العمال وباشر ذلك بنفسه، وكان رجلًا يصوم الدهر ويصلي الليل، وكان لا يخرج من المسجد، وأمر بالفضة المنخولة تعمل ببطن نخل، وكان أول عمله في شهر ربيع الأول من سنة 29 هـ، وفرغ منه حين دخلت السنة لهلال المحرم سنة 30 هـ فكان عمله عشرة أشهر»

قال الحافظ ابن حجر: «كان بناء عثمان للمسجد سنة ثلاثين على المشهور، وقيل في آخر سنة من خلافته».

كان المسجد النبوي على عهد النبي محمد مبنيا باللبن وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر الصديق شيئا وزاد فيه عمر بن الخطاب وبناه على بنائه في عهد رسول الله باللبن والجريد وأعاد عمده خشباً، ثم غيَّره عثمان، فزاد فيه زيادة كبيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والفضة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج، وجعل أبوابه على ما كانت أيام عمر ستة أبواب.

بئر رومة:
عندما قدم النبي محمد إلى المدينة المنورة وجد أن الماء العذب قليل، وليس بالمدينة ما يستعذب غير بئر رومة، فقال رسول الله: «من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له في الجنة». وقال: «من حفر بئر رومة فله الجنة».

وقد كانت رومة قبل قدوم النبي لا يشرب منها أحد إلا بثمن، فلما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة، وكان يبيع منها القربة بِمُدّ، فقال النبي: «تبيعها بعين في الجنة؟» فقال: «يا رسول الله، ليس لي ولا لعيالي غيرها». فبلغ ذلك عثمان فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي فقال: «أتجعل لي فيها ما جعلت له؟» قال: «نعم» قال: «قد جعلتها للمسلمين». وقيل كانت رومة ركية ليهودي يبيع المسلمين ماءها، فاشتراها عثمان بن عفان من اليهودي بعشرين ألف درهم، فجعلها للغني والفقير وابن السبيل.

وهذه البئر في عقيق المدينة، روي عن النبي أنه قال: «نعم القليب قليب المُزَني»، وهي التي اشتراها عثمان بن عفان فتصدق بها. وروي عن موسى بن طلحة عن رسول اللَّه أنه قال: «نعم الحفير حفير المزني»، يعني رومة. فلما سمع عثمان ذلك ابتاع نصفها بمائة بكرة وتصدق بها على المسلمين فجعل الناس يستقون منها. فلما رأى صاحبها أنه امتنع منه ما كان يصيب منها باعها من عثمان بشيء يسير فتصدق بها كلها

عثمان وجيش العسرة
يقال لغزوة تبوك غزوة العُسرة، مأخوذة من قول الله في القرآن: ِ ﴿لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَة﴾ (سورة التوبة، آية: 117)

ندب رسول اللَّه الناس إلى الخروج وأعلمهم المكان الذي يريد ليتأهبوا لذلك، وبعث إلى مكة وإلى قبائل العرب يستنفرهم وأمر الناس بالصدقة، وحثهم على النفقة والحملان، فجاؤوا بصدقات كثيرة فجهَّز عثمان ثلث الجيش جهزهم بتسعمائة وأربعين بعيرًا وبستين فرساً. قال ابن إسحاق: «أنفق عثمان في ذلك الجيش نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها».

وقيل جاء عثمان بألف دينار في كمه حين جهز جيش العُسرة فنثرها في حجر رسول الله فقبلها وهو يقول: «ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم». وقال رسول اللَّه: «من جهز جيش العُسرة فله الجنة».

يقول ابن شهاب الزهري: «قدم عثمان لجيش العسرة في غزوة تبوك تسعمائة وأربعين بعيراً، وستين فرساً أتم بها الألف، وجاء عثمان إلى رسول الله في جيش العسرة بعشرة آلاف دينار صبها بين يديه، فجعل الرسول يقلبها بيده ويقول: «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم» مرتين».

كما تحدث عبد الرحمن بن حباب عن نفقة عثمان حيث قال: «شَهِدْتُ النَّبِيَّ وَهُوَ يَحُثُّ عَلَى جَيْشِ الْعُسْرَةِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَيَّ مِائَة بَعِيرٍ وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ الله، ثُمَّ حَضَّ عَلَى الْجَيْشِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَيَّ مِائَتَا بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ الله، ثُمَّ حَضَّ عَلَى الْجَيْشِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَيَّ ثَلَاثمائة بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ الله، فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله يَنْزِلُ عَلَى المِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ: «مَا عَلَى عُثْمَان مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِه، مَا عَلَى عُثْمَان مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِه»».

وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: «جاء عثمان بن عفان إلى النبي بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي جيش العسرة، قال: فجعل النبي يقلبها بيده ويقول: «ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم» يرددها مراراً».

بيعة الرضوان
لما نزل النبي محمد الحديبية في العام السادس للهجرة، رأى أنه من الضروري إرسال مبعوث إلى قريش يبلغهم فيها نواياه السلمية بعدم الرغبة في القتال، وحرصه على احترام المقدسات، ومن ثم أداء مناسك العمرة، والعودة إلى المدينة، فوقع الاختيار على أن يكون المبعوث إلى قريش خراش بن أمية الخزاعي، فلما دخل مكة أرادت قريش قتله فمنعهم الأحابيش، فلما عاد أخبر الرسول بما صنعت قريش، فأراد رسول الله أن يرسل سفيرا آخر فوقع الاختيار في بداية الأمر على عمر بن الخطاب، فاعتذر عن الذهاب إليهم، وأشار على رسول الله أن يبعث عثمان مكانه، لأن له قبيلة تحميه من أذى المشركين حتى يبلغ رسالة رسول الله، وقال لرسول الله: إني أخاف قريشا على نفسي، قد عرفت عداوتي لها، وليس بها من بني عدي من يمنعني، وإن أحببت يا رسول الله دخلت عليهم، فلم يقل رسول الله شيئا، قال عمر: ولكن أدلك يا رسول الله على رجل أعز بمكة مني، وأكثر عشيرة وأمنع، عثمان بن عفان، فدعا رسول الله عثمان فقال: «اذْهَبْ إِلَى قُرَيْشٍ فَخَبّرْهُم أنَّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَإِنّمَا جِئْنَا زواراً لهذا البيت، معظمين لحرمته، معنا الهدي، ننحره وننصرف» فخرج عثمان بن عفّان حتى أتى بَلْدَح (مكان قريب من مكة). فوجد قريشا هناك، فقالوا: أين تريد؟ قال: «بعثني رسول الله إليكم، يدعوكم إلى الله وإلى الإسلام، تدخلون في دين الله كافة، فإن الله مظهر دينه ومعز نبيه، وأخرى تكفون ويَلِي هذا منه غيركم، فإن ظفروا بمحمد فذلك ما أردتم، وإن ظفر محمد كنتم بالخيار أن تدخلوا فيما دخل فيه الناس أو تقاتلوا وأنتم وافرون جامون، إن الحرب قد نهكتكم، وأذهبت بالأماثل منكم، فجعل عثمان يكلمهم فيأتيهم بما لا يريدون» قالوا: «قد سمعنا ما تقول ولا كان هذا أبداً، ولا دخلها علينا عنوة، فارجع إلى صاحبك فأخبره أنه لا يصل إلينا»، فقام إليه أبان بن سعيد بن العاص فرحب به وأجاره وقال: «لا تقصر عن حاجتك»، ثم نزل عن فرس كان عليه، فحمل عثمان على السرج وردفه وراءه، فدخل عثمان مكة فأتى أشرافهم؛ أبا سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وغيرهما من لقي ببلدح، ومنهم من لقي بمكة، فجعلوا يردون عليه: «إن محمداً لا يدخلها علينا أبداً». وعرض المشركون على عثمان أن يطوف بالبيت فأبى، وقام عثمان بتبليغ رسالة الرسول محمد إلى المستضعفين بمكة وبشرهم بقرب الفرج والمخرج، وأخذ منهم رسالة شفهية إلى رسول الله جاء فيها: «اقرأ على رسول الله منا السلام، إن الذي أنزله بالحديبية لقادر على أن يدخله بطن مكة» وتسربت شائعة إلى المسلمين مفادها أن عثمان قتل، فدعا رسول الله أصحابه إلى مبايعته على قتال المشركين ومناجزتهم، فاستجاب الصحابة وبايعوه على الموت سوى الجد بن قيس وذلك لنفاقه. وقال النبي بيده اليمنى: «هذه يد عثمان» فضرب بها على يده. وكان عدد الصحابة الذين أخذ منهم الرسول المبايعة تحت الشجرة ألف وأربعمائة صحابي.

عثمان وغزوة بدر
لما خرج المسلمون لغزوة بدر كانت زوجة عثمان رقية بنت رسول الله مريضة بمرض الحصبة ولزمت الفراش، في الوقت الذي دعا فيه رسول الله للخروج لملاقاة القافلة، وسارع عثمان للخروج مع رسول الله، إلا أنه تلقى أمرًا بالبقاء إلى جانب زوجته رقية لتمريضها، وامتثل لهذا الأمر وبقي إلى جوارها، إلى أن توفيت. وجهزت رقية ثم حمل جثمانها ودفنت في البقيع، وفيما هم عائدون إذ بزيد بن حارثة قد أقبل على ناقة رسول الله يبشر بسلامة الرسول محمد وقتل المشركين وأسر من تبقى منهم. وبعد عودة الرسول محمد علم بوفاة ابنته رقية، فخرج إلى البقيع ووقف على قبرها يدعو لها بالغفران. وقد ضرب النبي محمد لعثمان بسهمه فاعتبره بذلك مشاركاً لهم في الغنيمة والفضل والأجر. وقد عُد عثمان من البدريين بالاتفاق.

وعن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: «جاء رجل من مصر حج البيت فقال: يا ابن عمر إني سائلك عن شيء فحدثني أنشدك الله بحرمة هذا البيت، هل تعلم أن عثمان تغيب عن بدر فلم يشهدها؟ فقال: نعم، ولكن أما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته بنت رسول الله فمرضت، فقال له رسول الله: «لك أجر رجل شهد بدرا وسهمه».»

وعن أبي وائل، عن عثمان بن عفان أنه قال: «أما يوم بدر فقد تخلفت على بنت رسول الله، وقد ضرب رسول الله لي فيها بسهم. وقال زائدة في حديثه: ومن ضرب له رسول الله فيها بسهم فقد شهد.»

هجرته للحبشه :-
كان الصحابة قد قابلوا أنواع التعذيب من قبل كفار قريش، وكان من ضمنهم عثمان إذ عُذب من قِبل عمه الحكم ابن أبي العاص بن أمية الذي أخذه فأوثقه رباطاً وقال: «أترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث؟ والله لا أحلُّك أبدا حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين»، فقال عثمان: «والله لا أدعه أبداً ولا أفارقه». فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه. ولكن الأذى اشتد بالمسلمين جميعاً، واشتد الأمر حين قتل ياسر وزوجته سمية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين: «لَوْ خَرَجْتُمْ إِلَى الْحَبَشَةِ، فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا صَالِحَاً لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ.» وبدأت الهجرة فخرجوا من مكة حتى وصلوا ساحل البحر الأحمر، ثم أمَّروا عليهم عثمان بن مظعون، ووجدوا سفينتين، فركبوا مقابل نصف دينار لكل منهم، وعلمت قريش فأسرعت في تعقبهم إلى الساحل ولكنهم كانوا قد أبحروا. وكان ممن هاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الأولى والهجرة الثانية عثمان بن عفان ومعه فيهما امرأته رقية بنت رسول الله، وكان وصولهم للحبشة في شهر رجب من السنة الخامسة من البعثة، فوجدوا الأمن والأمان وحرية العبادة، وقد تحدث القرآن عن هجرة المسلمين الأوائل إلى أرض الحبشة، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ٤١﴾ [النحل:41]. وقد نقل القرطبي قول قتادة: «المراد أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ظلمهم المشركون بمكة وأخرجوهم حتى لحق طائفة منهم بالحبشة، ثم بوأهم الله تعالى دار الهجرة، وجعل لهم أنصارا من المؤمنين». وقال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ١٠﴾ [الزمر:10]. قال ابن عباس: «يريد جعفر بن أبي طالب والذين خرجوا معه إلى الحبشة».

ولما أشيع أن أهل مكة قد أسلموا، وبلغ ذلك مهاجري الحبشة أقبلوا، حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن ما كانوا تحدثوا به من إسلام أهل مكة كان باطلاً، فدخلوا في جوار بعض أهل مكة، وكان ممن رجع إلى مكة عثمان بن عفان وزوجته رقية، واستقر المقام به فيها حتى أذن الله بالهجرة إلى المدينة.

image