7JEWMSJD2M

إستكشف المشاركات

استكشف المحتوى الجذاب ووجهات النظر المتنوعة على صفحة Discover الخاصة بنا. اكتشف أفكارًا جديدة وشارك في محادثات هادفة

ان من الطبيعي أن يتوجَّس مُحمَّد بن طُغج خيفةً من تمادي المُتمردين وبِخاصَّةً بعد اتصالهم بِالفاطميين، فجهَّز حملةً عسكريَّةً كبيرة أسند قيادتها إلى أخيه عُبيد الله، وأمر بِمُطاردتهم والقضاء عليهم، ويبدو أنهم عجزوا عن مُواجهته، واضطرّوا إلى مُغادرة مصر إلى رمادة بين برقة والإسكندريَّة، ومرض حبشي بن أحمد وتُوفي فيها في سنة 324هـ المُوافقة لِسنة 936م قبل وُصوُل المُساعدة الفاطميَّة. وهكذا خلُصت مصر لِمُحمَّد بن طُغج بِفضل جُهُوده الشخصيَّة.

الواقع أنَّ والي مصر الجديد لم يشأ أن يتركهم حتَّى تستفحل حركتهم، وأراد أن يقضي عليها في مهدها، فأرسل إليهم قُوَّة عسكريَّة بحريَّة بِقيادة صاعد بن كلملم. ويبدو أنَّ المراكب لم تستطع أن تُبحر في الترعة الموصلة إلى الفيُّوم، ما أعطى المُتمرِّدين الفُرصة لِلتصدي لها، وتمكَّنوا من الاستيلاء عليها وأسر قائد الحملة وقتله، وأبحروا إلى دار صناعة السُفن في جزيرة الروضة وأحرقوا المراكب الراسية فيها، ثُمَّ واصلوا السير إلى الإسكندريَّة، ومنها رحلوا إلى برقة، وكتبوا إلى الخليفة الفاطمي مُحمَّد بن عُبيد الله القائم بِأمر الله يستأذنوه ويدعونه لِغزو مصر، وهوَّنوا عليه أمرها، ووعدوه بِأخذها، وطلبوا منه مُساندتهم بِقُوَّةٍ عسكريَّة، فاستجاب لهم.

غادر الفسطاط، على أثر دُخُول مُحمَّد بن طُغج، بعض القادة الذين ناهضوه واشتركوا في قتاله، أمثال حبشي بن أحمد قائد القُوَّة المغربيَّة، وعلي بن بدر قائد أُسطول أحمد بن كيغلغ وتوجهوا نحو الشرقيَّة، ثُمَّ يمَّموا وجههم صوب الفيُّوم، وقد تجنَّبوا الذهاب إلى الحُدود الشرقيَّة باتجاه فلسطين ظنًا منهم أنَّهم لن ينجوا من أعوان مُحمَّد بن طُغج في هذه البلاد، واختاروا الذهاب إلى الفيُّوم بِفعل عاملين: عدم امتداد سُلطان مُحمَّد بن طُغج إلى هذه المنطقة بعد، والطبيعة الجُغرافيَّة لِتلك المنطقة التي تُشكِّلُ حائلًا أمام أي هُجومٍ قد تتعرَّض له.

حرص مُحمَّد بن طُغج، قبل اللُجوء إلى استعمال القُوَّة المُسلَّحة، إلى الدُخول سلمًا إلى مصر، فكتب إلى مُحمَّد بن علي الماذرائي، صاحب السُلطة الفعليَّة فيها، يطلب منهُ التخلّي عن موقفه العدائي منه ويُخلِّي بينه وبين دُخول مصر مُقابل أن يظلَّ لهُ الإشراف المالي والإداري في البلاد، فرفض الاستجابة لِطلبه مُدركًا أنَّ هذا الوالي الجديد يختلف عن الوُلاة السابقين من حيث القُوَّة والطُموح، وأنَّهُ لن يكون لهُ من النُفوذ كما كان لهُ مع غيره، وبالتالي لا مقام له معه.

كان الدُخول إلى مصر يتطلَّب تخطيطًا سليمًا نظرًا لِصُعوبته بِفعل تمسُّك أحمد بن كيغلغ بِمنصبه وحرص الماذرائيين على المُحافظة على مُكتسباتهم، لِذلك عقد مُحمَّد بن طُغج اجتماعًا سريًا مع الفضل بن جعفر في دمشق اتفقا في نهايته على أن يتم الدُخُول إلى مصر من محورين برّي وبحري، واتخذا الحيطة والحذر كي لا تتسرَّب أخبار اجتماعهما إلى أنصار الماذرائيين الكُثر في دمشق.

م يترُك مُحمَّد بن طُغج وسيلةً لِلحُصُول على ولاية مصر، فنهج أُسلُوب أحمد بن طولون في الاعتماد على الأنصار وشراء الناس، وأرسل كاتبه علي بن مُحمَّد بن كلا إلى الخليفة أبو منصور مُحمَّد القاهر بِالله يلتمس منه ولاية هذه الديار بعد وفاة تكين في سنة 321هـ المُوافقة لِسنة 933م، لكنَّ الخليفة لم يُجبه، وقلَّد مُحمَّد بن تكين ولاية مصر خلفًا لِوالده، ولكنَّهُ لم ييأس وتابع مُحاولاته في ظل تردّي الأوضاع الداخليَّة في هذه الولاية وتغيُّر الوُلاة بِسُرعةٍ لافتة.

الواقع أنَّ مُحمَّد بن طُغج اقتدى بِأحمد بن طولون بعد أن أدرك أنَّ تقليد الخِلافة لهُ يبقى غير ذي قيمة إذا لم يُدعَّم بِالقُوَّة العسكريَّة في ظل الأوضاع السياسيَّة المُضطربة، التي كانت سائدة في عاصمة الخِلافة وفي الأطراف، لِهذا استمرَّ في تجهيز نفسه وإعداد قُوَّاته العسكريَّة بِجمع الأعوان والأنصار حتَّى كثُر رجاله، وعجز عن تموينهم ودفع مُرتباتهم، لِذلك راح يُصادر الأموال لِلإنفاق عليهم وبِخاصَّةٍ أموال الأثرياء واتَّبع مُختلف الوسائل في هذا السبيل. وبعد أن استكمل مُحمَّد بن طُغج استعداداته العسكريَّة، وأنس من نفسه القُوَّة، التفت إلى التمدُّد باتجاه مصر، فراح يُراقب تحرُّكات تكين ويترصَّد أخباره، وهو مُستعد لانتهاز أوَّل فُرصة لِلوُثوب إليها.

قد اضطرَّ مُحمَّد بن طُغج أن يُغادر مصر بالحيلة خوفًا من غضب الوالي تكين عليه، ممَّا يدُل على الفوضى التي كانت تسود البلاد العبَّاسيَّة في ذلك الوقت. تولَّى مُحمَّد بن طُغج ولاية الرملة حتَّى سنة 318هـ المُوافقة لِسنة 931م، عندما أعاد الخليفة تعينه واليًا على دمشق، والرَّاجح أن صديقه القرطي كان وراء هذا التدبير، فحظي بِتأييده ومُساندة أهل دمشق حيثُ كان محبوبًا عندهم. ونظَّم مُحمَّد بن طُغج وضعهُ الداخلي في دمشق، فشكَّل جيشًا ضمَّ طائفةً كبيرةً من الجُند، كما التفَّ إخوته حوله: عُبيد الله والحسن والحُسين وعليّ، بِالإضافة إلى بني طُغج، فتقوَّى بهم، وكوَّن عِصبةً من الغلمان التصقت به كان أكبرهم بدر الكبير وأصغرهم كافور الذي أضحى خادمه الخاص.

كان مُحمَّد بن طُغج قد اتصل بعد خُروجه من العراق إلى الشَّام بِأبي العبَّاس أحمد بن بسطام عامل الخِراج فيها، وظلَّ معهُ يخدمهُ في صيده، ويجمع لهُ الجوارح حتَّى عُرف باسم «بازيار بن بسطام»، أي «صاحب الباز بن بسطام»، وهو الذي يحملُ البيزان والصُقُور المُعدَّة لِلصيد. وعندما تقلَّد ابن بسطام خراج مصر سنة 296هـ المُوافقة لِسنة 909م، صحبهُ مُحمَّد بن طُغج إليها، واستمرَّ في خدمته إلى أن تُوفي في السنة التالية، فالتحق بِخدمة ابنه أبي القاسم علي بن أحمد بن بسطام الذي خلفهُ على خِراج مصر، وظلَّ في خدمته حتَّى تمَّ عزله سنة 300 هـ (912 - 913م)

صدَّى طُغج بن جُف في سنة 289هـ المُوافقة لِسنة 902م لِجُمُوع القرامطة الذين تقدموا باتجاه الشَّام هربًا من مُطاردة الجُيُوش العبَّاسيَّة، فعاثوا فيها فسادًا، لكنَّهُ هُزم أمامهم وعاد إلى دمشق، وجدَّد قتاله لهم في العام التالي، إلَّا أنَّهُ هُزم أيضًا. وكان طُغج بن جُف من بين القادة الذين لم يرضوا عن قتل هٰرون بن خُمارويه، ولم يعترفوا بِخلفه شيبان بن أحمد بن طولون، وانضمُّوا إلى الجيش العبَّاسي الزاحف إلى مصر بِقيادة مُحمَّد بن سُليمان الكاتب لِلقضاء على حُكم الطولونيين.