7JEWMSJD2M

إستكشف المشاركات

استكشف المحتوى الجذاب ووجهات النظر المتنوعة على صفحة Discover الخاصة بنا. اكتشف أفكارًا جديدة وشارك في محادثات هادفة

كان ممن غضب لمقتل أبي مسلم الخراساني، رجل مجوسي اسمه «سُنباذ»، فثار والتف حوله الكثيرون من أهل «خراسان»، فهجموا على ديار المسلمين في نيسابور و«قومس» و«الري»، فنهبوا الأموال وقتلوا الرجال وسبوا النساء، ثم تبجحوا، فقالوا: إنهم عامدون لهدم الكعبة، فأرسل إليهم المنصور جيشًا بقيادة جمهور بن مرار العجلي، فهزمهم واستردَّ الأموال والسبايا، ولا يكاد أبو جعفر يتخلص من «سنباذ» سنة 137 هـ/ 756 م، حتى واجه ثائرًا ينادى بخلع المنصور، إنه «جمهور بن مرار العجلي» قائد جيوش المنصور التي هزمت «سنباذ».

وحين نجحت الدعوة العباسية وأطاحت بالدولة الأموية؛ تولى أبو العباس السفّاح الخلافة سنة (132 هـ/750 م) واستعان بأخيه أبي جعفر في محاربة أعدائه والقضاء على خصومه وتصريف شؤون الدولة، وأرسله كذلك لقتال إسحاق بن مسلم العقيلي في سميساط في الجزيرة الفراتية وأحد قادة مروان بن محمد وكان عند حسن ظنه قدرة وكفاءة فيما تولى، حتى إذا مرض أوصى له بالخلافة من بعده، فوليها في ذي الحجة 136 هـ/ يونيو 754 م) وهو في الحادية والأربعين من عمره.

نشأ أبُو جَعْفَر بين كبار رِجال بَني هاشِم والذين كانوا يسكنون الحُمَيْمَة مِن بلاد البَلقاء في جُندُ الأُردُن، فكان أبوه هو الإمامُ مُحَمَّد بن عَليُّ العَبَّاسِيّ، ويُعرف بلقب الكامِل، وقد تولَّى الإمامة مِن أبي هاشِم عَبدُ الله بن مُحَمَّد بنُ عليُّ بن أبي طالِب، والذي أوصى أتباعُه، فيما يُعرف الكَيسانيَّة لاتِّباع الإمام مُحَمَّد مِن بعده، فضبط شأن الدَّعوة ونظَّمها، واستعان في تحرُّكاتِه بالسَّريَّة والكِتمان، واختار رجالِه وأنصارِه بدِقَّة، كما اعتنى بمعرفة الأماكن التي يتحرَّك فيها النُّقباء والدُّعاة، حيث اختار منطقتين، هُما الكُوفَة لكثرة الأصوات المُناهضة لحُكم بنُو أُميَّة، وتعاطُفهم مع بَني هاشِم، وتحديداً العَلَويين، والمنطقة الأخرى هي خُراسان، وأدارها مِن مكانِه في الحُمَيْمَة كونّها مقرُّ الإقامة.

حَدَث في أيَّامِ سَجنِه، قِصَّة عجيبة، فقد التقى أبو جَعْفَر، برجُلٍ فارِسيّ يُدعى نُوبَخْت المُنجِّم، فرأى على أبو جَعْفَر علامات الرياسَة، فسألهُ نُوبَخْت عمَّن يكُون، فأجاب أبو جَعْفَر عن نَسَبِه، وكنيتِه، فقال لهُ نُوبَخْت: «أنتَ الخَليفةُ الذي تُلي الأرض»، فقال لهُ أبو جَعْفَر:«ويحك! ماذا تقُول؟»، فقال: «هُو ما أقولُ لَك! فضع لي خطَّك في هذهِ الرُّقعة أن تُعطيني شيئاً إذا وُلَّيت»، فكَتَب لهُ، وبعد مُرور عُقود، وتولَّى أبو جَعْفَر المَنْصُور للخِلافَة، جاؤهُ نُوبَخْت، فأكرَمهُ المَنْصُور، وأعطاه، وقد أسلَمَ نُوبَخْت على يَديه، وكان يُدينُ بالمَجُوسِيَّة، وأصبح من المُقرَّبين إليه.

كان مِمَّن قصد عَبدُ الله بنُ مُعاوية آنذاك، هُم بَنو هاشِم، فجاؤه عَبدُ الله الأصْغَر أبو العبَّاس، وعَبدُ الله أبو جَعْفَر، وعِيسى بنُ عَلِيّ، كما قصدُه بعض وجُوه قُرَيش مِن بَنو أُمَيَّة، مثل سُلَيْمان بنُ هِشام بن عَبدِ المَلِك، فاستعان عَبدُ الله بن مُعاوية في أعمالِه، فعيَّن أبو جَعْفَر عَبدُ الله، على كُورة إيذَج، فأخذ أبو جَعْفَر المال، وحملهُ بسفاتِج على يدي عَبد الرَّحمن بن عُمَر إلى البَصْرَة، ولم يَحمل إلى عَبدُ الله بن مُعاوية شيئاً، ثُم توجَّه أبو جَعْفَر إلى الأهواز قاصِداً البَصْرَة، وكان العامِلُ عليها سُلَيْمان بنُ حَبيب بن المُهلَّب مِن قبل مُروان بن مُحَمَّد، قد وضع الأرصاد والعُيون على كُل من يُمر من عُمال ابن مُعاوية، فمر برصدِه أبو جَعْفَر، فأمر بإحضارُه، فقال لهُ حينما دخَل عليه: «هاتِ المال الذي اختَنتُه»، فرد أبُو جَعْفَر: «لا مال عِندي»، فضربَهُ بالسّياط، فقال أبو أيُّوب: «أيُّها الأمير، توقَّف عن ضَربِه! فإن الخِلافَة إن بقيت في بَنُو أُمَيَّة فلن يسُوغ لك ضَرب رجُل من عَبد مَناف، وإن صار المُلك إلى بَني هاشِم لم تكُن لك بِلاد الإسلام بِلاداً»، فلم يقبل رأيُه، وضَرب أبو جَعْفَر اثنين وأربَعين سُوطاً، ولم يزل أبو أيُّوب يسألُه للكف عن ذلك، ورمَى نفسهُ إليه، حتى توقَّف عن جَلدِه. ثُم تحرَّك المضَريَّة لضَرب أبو جَعْفَر وحبسِه، فتجمَّعوا واتجهوا إلى الحبس فكسروه، وأطلقوا سِراح أبو جَعْفَر، وعاد إلى البَصْرَة، وعظَّم مِن أبو أيُّوب وما قام بِهِ لأجلِه.

لمَّا بُويع الأمير الأُمَويّ يَزيد بنُ الوَليد كخليفة بعد قِتالِه لسَلَفِه الوَليد بنُ يَزيد، خَرج عَبدُ الله بن مَعاوية بن عَبدِ الله بن جَعْفَر بن أبي طالِب عليهِ، وكان والياً أُمَويَّاً على أصْبَهان، فاتجه إلى الكُوفة، ونادَى بالثَّورة والبَيعة على الرِّضا مِن آلِ مُحَمَّد، فلبِس الصُّوف وأظهر صِفات الخير، فاجتَمَع إليه نفرٌ من أهلِ الكُوفة، فبايَعوه، إلا أن الأكثرية أمسَكَت عن مُبايَعتُه، وقالوا له: «ما فينا بقيَّة، فقد قُتل جُمهورِنا مع أهل هذا البيت - يقصدون بَنو أميَّة -»، وأشاروا عليهِ بأن يتِّجه نحو فارِس، ونواحي المَشرق، فقبِل ذلِك، وجَمع جُموعاً من تِلك النَّواحي، فغَلب على مياه الكُوفة، وهَمَذان، وقُم، والرَّي، وفارِس وغيرها من المَناطق، فأقام في أصْبَهان، واجتَمَع النَّاسُ إليه، فأخذهُم بالبيعة لِنفسِه، وكَتب إلى الأمصار يدعو بذلك، وكان أبو جَعْفَر مِن بين المُؤيدين.

تنقَّل في سبيل العِلم إلى عددٍ من المُدُن ذات الطَّابِع التَّعليمي الإسلامي، مِثل البَصْرَة، والكُوفة، والمَوْصِل، فكان يحضُر حَلَقات الدِّراسة في الأدَبِ والفُقه، وتَتلمَّذ على يد عَدد من العُلَماء والفُقَهاء، مِثل عالِم اللُّغَة الخَليل بنُ أحمَد الفَراهِيدي، و الأديب النَّحَويّ يُونس بنُ حَبيب، وأزهَر السَّمان، وغيرهم.

دَرَس عَبدُ الله في إبان نشأتِه وصَباه، عِلم النَّحو، واللُّغة العَرَبِيَّة، والتَّارِيخ، كما أولى اهِتماماً في قِراءة القُرآن الكريم، وتفهُّم مَعانيه، ورِواية الأحاديث والسُّنن، والتعمُّق في الفُقه، واستِنباط الأحكام والشَّرائِع، وحِفظ الخَطَب البَليغة، والقصائِد المُعبِّرة، وكان لهُ إلمام في عِلم الفَلَك والنُّجوم.

نشأ عَبدُ الله في منطقة الحُمَيْمَة، والتي كانت مقر عائلة بَني العَبَّاس مُنذ جده الإمام عَليّ بن عَبدِ الله بن العَبَّاس، والذي أقطَعهُ الأُمَويُّون قريةً بِصَقع الشَّام لمُراقبة نشاطِه حيث كان يقول بأن الخِلافة في ذُرّيتِه، كان يُعرف بعَبدُ الله الطَّويل.

وُلد عَبدُ الله في شهر صَفَر سَنَة 95 هـ / نُوفَمْبَر 713 م على أكثَر الأقوال، وقيل 101 هـ / 720 م، وذلك في منطقة الحُمَيْمَة، مِن بلاد البَلقاء، الواقِعة في كُورة الشراة مِن جُند الأردُن على مُعظم المصادر، وقيل في أيذخ مِن خُوزَسْتان، حيث أن أباه كان قد قصد عَبدُ الله بن مُعاوية الجَعْفَري الهاشِمي، والذي كان والياً أُمَويَّاً على أصْفَهان، فاستأذنهُ في الإقامة لِفترة، ووُلد عَبدُ الله هُناك. وذلك في عهد الخَليفة الأُمَويّ الوَليد بن عَبد المَلِك.