7JEWMSJD2M

إستكشف المشاركات

استكشف المحتوى الجذاب ووجهات النظر المتنوعة على صفحة Discover الخاصة بنا. اكتشف أفكارًا جديدة وشارك في محادثات هادفة

عندما تولَّى هٰرون بن خُمارويه حُكم مصر، كان طُغج بن جُف يحكم الشَّام مُستقلًا عن مصر إلى حدٍ ما، فكتب إليه القائدان الطولونيَّان بدر الحمامي والحُسين بن أحمد الماذارئي لاستقطابه، لا سيَّما وأنَّ هٰرون بن خُمارويه كان صغيرًا لم يتجاوز الرابعة عشرة من عُمره وكان قادة الجُند يُسيرون شؤون الدولة وفق أهوائهم ومصالحهم الخاصَّة، وبعد مُفاوضاتٍ جرت بين الطرفين نجح القائدان الطولونيَّان في الوُصول إلى تفاهُمٍ معه يقضي بِعودة الشَّام إلى حظيرة الدولة الطولونيَّة وإقرار طُغج بن جُف على حُكمها.

عندما ترقَّى محمد بن طغج في المناصب القياديَّة ووصل إلى منصب الولاية أراد أن يصل نسبه بِمُلوك فرغانة إعلاءً لِشأن أُسرته، ولِذلك لقَّبهُ الخليفة الرَّاضي بِهذا اللقب عندما أضحى صاحب الديار المصريَّة والشَّاميَّة لِأنَّهُ كان فرغانيًا. ومهما يكن من أمر، فقد قدم جُف بن يلتكين، جد مُحمَّد، إلى الخليفة العبَّاسي أبو إسحٰق مُحمَّد المُعتصم بالله مع طائفةٍ من الضُبَّاط التُرك، والمعروف أنَّ التدخُّل التُركي في شؤون الخِلافة بدا واضحًا في عهد هذا الخليفة الذي بويع في ظل صراعٍ عنيفٍ بين العرب من ناحية وبين الفُرس من ناحيةٍ أُخرى، واختلالٍ في التَّوازُن بين العصبيَّات القوميَّة التي تكوَّنت منها الدولة العبَّاسيَّة، وقد فقد ثقته بِالعرب والفُرس ما دفعهُ إلى تقريب العُنصر التُركي، وخصَّ التُرك بِالنُفوذ والسُلطان، وقلَّدهم قيادة الجُيُوش، ومكَّن لهم في الأرض، وأقطعهم قطائع في سامرَّاء. وظلَّت قطائع جُف تُنسب إليه حتَّى بعد زمن ابن خلِّكان المُتوفَّى سنة 681هـ المُوافقة لِسنة 1282م.

ينتسب الإخشيديُّون إلى «الإخشيد»، وهو لقبٌ فارسيّ قديم منحهُ الخليفة العبَّاسي أبو العبَّاس مُحمَّد الراضي بِالله لِأبي بكر مُحمَّد بن طُغج بن جُف في شهر رمضان من سنة 327هـ المُوافق فيه شهر تمُّوز (يوليو) سنة 939م بناءً على طلبه، وإنَّما لقَّبهُ بِذلك لِأنَّهُ لقب مُلُوك فرغانة وهو من نسلهم، والمعروف أنَّهُ كان يُسيطر على هذا الإقليم كبار المُلَّاك الإقطاعيين والفُرسان، وأميرُهم هو أكبرهم من حيثُ السعة الإقطاعيَّة ويُسمَّى «دهقان» ولقبه «إخشيد»، ويعني «الذكي» أو «النبيه».

أفاض المؤرخون فيما أصاب الناس من جراء المجاعة من تعذر وجود الأقوات وغلاء الأسعار من تعذر وجود الأقوات وغلاء الأسعار، واضطر الناس إلى أكل الميتة من الكلاب والقطط والبحث عنها لشرائها.
بل إن بعض المؤرخين ذكروا اكل الناس جثث من مات منهم، وصاحب هذه المجاعة انتشار الأوبئة والأمراض التي فتكت بالمجتمع وقيل إنه كان يموت بمصر عشرة آلاف نفس، ولم يعد يرى في الأسواق أحد، ولم تجد الأرض من يزرعها، وباع الخليفة المستنصر ممتلكاته، ونزحت أمه وبناته إلى بغداد. وساء به الحال حتى إن بعضهم ممَّن كانوا في بعض من اليسر كان يتصدّق عليه بما يأكل في يومه.

حَكَمَ المستنصر طوال ثمانية عشر عامًا، ترك فيها أثرًا طيبًا في تاريخ الدولة، وقد زار مصر الرحالة الفارسي ناصر خسرو فأشاد برخاء مصر وأمنها، ونظمها ومدنها وغناها وثروتها وحضارتها وصف المعجب بما رأى وشاهد، لكن انهارت الأوضاع في أواخر حكمه وتصاعدت الصراعات على السلطة إلى أن توفي المستنصر في 29 ديسمبر 1094م عن عمر يناهز سبعة وستين عامًا.

انهار حكم المستنصر في بلاد الشام أيضا، فاستقل قاضي صور بمدينته وخرجت طرابلس من سلطان الفاطميين، وتتابع ضياع المدن والقلاع من أيديهم، فاستقلت حلب وبيت المقدس والرملة عن سلطانهم ثم تبعتهم دمشق في العام التالي.

لم تقتصر معاناة البلاد على اختلال الإدارة والفوضى السياسية، فجاء نقصان منسوب مياه النيل ليضيف إلى البلاد أزمة عاتية.
وتكرر هذا النقصان ليصيب البلاد بكارثة كبرى ومجاعة داهية امتدت لسبع سنوات متصلة من 1065م إلى سنة 1071م وعُرفت هذه المجاعة بالشدة المستنصرية أو الشدة العظمى.

سيطر المستنصر على الدولة سيطرة تامة وأحسن سياستها فامتد سلطان الخلافة ليشمل بلاد الشام وفلسطين والحجاز وصقلية، وشمال أفريقيا، وتردد اسم الخليفة على المنابر في هذه البلاد. وتطلع إلى بغداد حاضرة الخلافة العباسية السُّنّية ليضمها إلى سلطانه، فنجح في استمالة "أبي الحارث أرسلان البساسيري" أحد قادة العباسيين، ومدّه بالأموال والذخائر فثار على الخليفة العباسي واستولى على بغداد.

بدأ المستنصر حُكمه بإظهار مهارة عالية في القيادة بفضل الوزير القوي أبي القاسم علي بن أحمد الجرجرائي، وكان قد سبق له أن عمل وزيرًا في عهد الحاكم بأمر الله وابنه الظاهر، وأكسبته هذه السنوات خبرة واسعة ودراية بشؤون الحكم.

وصل الخليفة الحكم إلى حالة عجز عقيمة الحلول من بعد الخراب الذي خلّفته والدته، فباع أملاكه إثر ذلك، وسقط مُلكه، وخرجت البلاد عن سيطرته، بعد ذلك تمالك الخليفة قواه وأخذ يُفكر في إعادة الأمور إلى نصابها، وتخليص البلاد ممّا حلّ بها؛ فاستعان بوزيره في عكا بدر الجمالي كقوة عسكرية لفرض النظام، وإعادة الهدوء والاستقرار إلى الدولة والذي استطاع أن يعيد نفوذ الخليفة على جميع بلاد.