7JEWMSJD2M

إستكشف المشاركات

استكشف المحتوى الجذاب ووجهات النظر المتنوعة على صفحة Discover الخاصة بنا. اكتشف أفكارًا جديدة وشارك في محادثات هادفة

ولادته
اختلف المُؤرخون في تحديد تاريخ سنة وِلادة هارُون بالدقَّة. ويروي المُؤرخ ابن الأثير نقلًا عن البرامكة أنهُ وُلد في مُستهل مُحرَّم سنة 149 هـ / 19 فبراير 766 م، وذلك لكون الفضل بن يحيى البرمكي ولد قبله بنحو أُسبوع. ويُقال إنه ولد في آخر ذي الحجَّة سنة 145 هـ / 17 مارس 763 م، وهو ما قالهُ الطَّبريُّ ولكن حدَّدهُ بيوم 27 ذي الحجَّة / 14 مارس من العام نفسه. وقيل بأنه ولد في سنواتٍ قريبة أخرى. وعلى أية حال، فإن الخيزُران قد ولدت ابنها هارُون في مدينة الرَّي، فقد كان والدهُ المهدي واليًا على كامل المشرق العبَّاسي، والذي يضم خُراسان، وطبرستان، والجبال وغيرها في أقاصي المشرق من البلاد، متخذًا من الرَّي قاعدة لحُكمه، والتي تتبع إداريًا ولاية الجبال، وذلك في زمن خلافة جده المنصُور

والده هو ثالث خُلفاء بني العبَّاس، مُحمَّد المهدي، والذي تولى ولاية العهد في عهد أبيه أبُو جعفر المنصُور، المُؤسس الحقيقي للخلافة العبَّاسيَّة، ليخلفه في الحكم من بعده لاحقًا.
والدتهُ أُمُّ ولدٍ يمانيَّة جرشيَّة، تُدعى الخيزُران بنت عطاء. اشتراها جدُّ هارُون، الخليفة أبُو جعفر المنصُور في مكَّة من أجل ابنه المهدي بهدف الإنجاب قائلًا: «خذوها إلى ابني المهدي، وقولوا لهُ إنها ستكون ولَّادة». كانت الخيزُران جاريةً هيفاء جميلة، مُثقَّفة وذات طُموحٍ كبير، وقد أحبَّها المهدي حُبًا كبيرًا. ولها الكثير من الرِّوايات والقصص التي تتحدث عن نُفوذها في الأحداث اللَّاحقة.

هو هارُون الرَّشيد بن مُحمَّد المهدي بن عبد الله المنصُور بن مُحمَّد بن عليِّ بن عبد الله بن العبَّاس بن عبد المُطَّلب بن هاشم بن عبد مَناف بن قُصي بن كِلاب بن مُرَّة بن كعب بن لُؤي بن غالب بن فهر بن مالِك بن النَّضر بن كِنانة بن خُزَيمة بن مُدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

مرض الرَّشيد في أثناء سيره لمُحاربة رافع بن الليث، والذي كان واليًا في البداية إلا أنه قاد انتفاضة ضد الخلافة العبَّاسيَّة في بلاد ما وراء النَّهر، وازدادت علَّته حتى وصل إلى طوس، ليتوفى في سنة 193 هـ / 809 م، وكان عمره 43 عامًا، وقد تولَّى ابنه محمد الأمين للخلافة من بعده، إلا أنه انشغل عن أعباء الحكم ولم يكترث، كما خلع أخاه المأمُون المُقيم في مرو من ولاية العهد لصالح ابنه مُوسى، ما تسبَّب بإشعال حربٍ بين الأخوين لنحو ثلاثة أعوام، ولم تنتهِ إلا بمقتل الأمين في سنة 198 هـ / 813 م، ودمار أجزاء واسعة من بغداد جراء الحصار من جيش المأمُون. حكم بعدها المأمُون واستأنف بناء بغداد وإكمال عصر النَّهضة والازدهار الذي بدأه الرَّشيد لتبلغ الدَّولة في زمنه مبلغًا كبيرًا من عصرها العلمي والثَّقافي الذَّهبي.

دعم الرَّشيد العلوم والفُنون بشكلٍ كبير، وكان ذلك واضحًا جليًا في عصره، فمن توسُّع العاصمة بغداد وازدهارها التجاري، إلى إنشاء بيمارستان الرَّشيد، وبناء أول مصنع للورق في بغداد، بالإضافة إلى تأسيس بيت الحكمة وفتح أبوابها لطُلَّاب العلم، واهتمامه بنقل التَّرجمة من اللُّغات المُختلفة إلى اللُّغة العربيَّة، كانت جميعها كفيلة بإظهار التقدُّم العلمي والازدهار الثَّقافي الذي شهدته البلاد، وخاصةً العاصمة بغداد في عهد الرَّشيد. ويُعتبر هارُون الرَّشيد أحد أكثر الخُلفاء المُسلمين شُهرةً حول العالم، وأكثرهم ذكرًا حتى في المصادر الغربيَّة، ويعود ذلك إلى كتاب ألف ليلة وليلة، والوفود التي أرسلها ملك الفرنج شارلمان لفتح علاقاتٍ ودية مبنية على مصالح عديدة، فضلًا عن إرسال الرَّشيد ساعة مائيَّة إليه، وكانت اختراعًا لم يعتدْه الغرب، في حين لا تذكر المصادر العربيَّة أو الإسلاميَّة شيئًا عن هذه العلاقة.

في حين ومن جانبٍ آخر من شخصيَّته، ينقل المُؤرخون حُب الرَّشيد لمُنادمة الشُّعراء والأدباء والمُغنين، فكان يطرب لأجواء الغناء ومجالسها، وخاصةً مع نديمه جعفر البرمكي، وابن أبي مريم وغيرهم على اختلاف الفترة الزمنيَّة من حُكمه. من الشُّعراء الذين حضروا في مجالسه: الأصمعي، وأبو العتاهية وغيرهم. بينما كان من المُغنين على رأسهم إبراهيم الموصلي، وأخيه إبراهيم بن المهدي. كانت هذه التفاصيل محل اهتمامٍ من قبل المُؤرخين والباحثين في سيرته، في حين أنه كان محل انتقاد من قبل الفُقهاء لحساسية منصبه ومسؤوليته. وبسبب كثرة الأقلام على الرَّشيد، فقد تباينت الآراء حوله، مما تسبب بنشر الشَّائعات عليه في بعض الأحيان. وهو أوَّل خليفة لعب بالشَّطرنج وبالصَّوالجة والكرة.

تعددت أقوال المُؤرخين حول أخلاق وصفات الرَّشيد، وأجمع الكثير حول فصاحته وبلاغته، وحبه للعُلماء والفُقهاء وتعظيمه لحُرمات الإسلام وكراهيته الاستحداث في الدين أو الاستهزاء فيه. كان يصل العُلماء ويغدق عليهم ليدعم علمهم وحلقات تدريسهم، واشتهر منهم سفيان بن عيينة، والفضيل بن عياض، وإماما أهل السُّنة والجماعة، مالك بن أنس، ومُحمَّد بن إدريس الشَّافعي وغيرهم. ويُروى أنه كان يُصلي في اليوم مئة ركعة ما لم يكُن مُعتلًا أو مريضًا. لم يكُن الرَّشيد جبارًا في الأرض، فعلى الرَّغم من مكانته خليفة المُسلمين وهيبته في نفوس الناس وتعظيمهم إياه، إلا أنه كان في بعض المواطن رقيق القلب، سريع الدمعة، حيث كان يبكي إذا وقع الوعظ في نفسه، ويبكي على إسرافه في ذنوبه وتقصيره. أدى تسع حجَّات، واحدة منها على الأقل كانت مشيًا على قدميه من بغداد حتى مكَّة المُكرَّمة، وكان نذرًا لتخلُّصه من البرامكة دون عواقب كبيرة.

ومن الأحداث الشَّهيرة في عهده، إرسال الإمبراطور البيزنطي نقفور الأول رسالةً مليئة بالاستهزاء إلى الخليفة، وطالبه بإعادة الأموال التي كانت تدفعها الإمبراطورة السَّابقة، فغضب الرَّشيد، وتوعَّده بما سيراه لا ما سيسمعه، فقاد جيشًا كبيرًا في سنة 190 هـ / 806 م، وتوغَّل في آسيا الصُّغرى التي كانت تابعة للرُّوم، وفتح هِرَقلة والطوانة، إلا أنه قبل الصُّلح الذي طلبه نقفور، على أن يدفع الجزية عنه وعن أولاده وشعبه، وكانت هذه الحملة كفيلة بتهدئة الجبهة ضد الرُّوم لعشرين عامًا قادمة. وقد تمكَّن الرَّشيد من فرض سُلطته في كل مكان من أنحاء دولة الخلافة، حتى قال مقولته الشَّهيرة حينما رأى السَّحاب فوقَه: «اذهبي حيثُ شئتِ يأتني خراجك»، لتبلغ الخلافة العبَّاسيَّة في عهده ذروة مراحل قُوتها.

قام الرَّشيد بتعيين ابنه الأمين وليَّ عهد من بعده بسبب إرادة الهاشميين، إلا أنه كان يُميل في الحقيقة إلى المأمُون لحزمه ورجاحة عقله، وبسبب ذلك، عقد للمأمُون بعد الأمين، وكان ذلك بمثابة نذير شُؤم بين الناس. وبعد سبعة عشر عامًا من إشراك البرامكة في حُكم البلاد، ولأسباب عديدة تراوحت بين أقلام المُؤرخين، قام الرَّشيد في سنة 187 هـ / 803 م، بإنهاء نفوذهم بين ليلةٍ وضُحاها، فسجنهم ونكَّل بهم، ليتفرَّد بالخلافة وحده ويستعيد السُّلطة التي احتكرها آل برمك.

بُويع هارُون الرَّشيد خليفةً بعد الهادي، وكان عمره 21 عامًا، وذلك في سنة 170 هـ / 786 م، فورث بلادًا مُترامية الأطراف، فقد امتدَّ أرجاء حُكمه من بلاد ما وراء النَّهر والسِّند شرقًا حتى إفريقية غربًا، ومن اليمن جَنوبًا، حتى أرَّان وبلاد الكُرج شمالًا، فحكمها في البداية بالتعاون مع وزيرِه يحيى البرمكي، وأطلق للبرامكة يدهم لإصلاح شؤون البلاد، فقاموا بذلك على نحوٍ ممتاز خاصةً في العقد الأول من حُكمه. وفي المُقابل، واجه الرَّشيد تحدِّيَات وثوراتٍ انفصاليَّة عديدة ضده، ومنها خروج بعض العلويين عليه، مثل يحيى بن عبد الله في الدَّيلم، وظهور دولة الأدارسة في بلاد المغرب الأقصى، كما ظهرت ثورات خارجيَّة كثيرة مثل الصَّحصح، والحُصين، وكان أهمُّهم الوليد بن طريف الشَّيباني لقربه من حاضرة الخلافة. كما برزت فتنةٌ قبليَّة ظهرت في الشَّام، وكانت مصر تُعاني من ثورات واضطرابات في بعض الأحيان بسبب السياسات الضَّريبيَّة. تمكَّن الرَّشيد من إخماد معظم هذه الثَّورات والاضطرابات التي خرجت عليه في عهده، فمن التعامل معها عبر سياساتٍ حكيمة إلى توجيه حملاتٍ عسكريَّة صارمة.